القبلة الأولى أقدم بكثير مما نعتقد… ما علاقة بلاد ما بين النهرين؟

منبر العراق الحر :

هل سألت نفسك يوماً  متى سجل العالم أول قبلة في التاريخ؟ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن القبلة “الرومانسية” أو “الجنسية” بدأت قبل 3500 عام في ما يعرف الآن بالهند. لكن ورقة بحثية جديدة في مجلة Science تقول إن هذا النوع من التقبيل مذكور أيضاً في ألواح طينية من بلاد ما بين النهرين تسبق النصوص الهندية بنحو ألف عام.
يؤكد الباحثان الدانمركيان ترويلس بانك أربول وصوفي لوند راسموسن أن “هذا السلوك لم ينشأ فجأة أو في مجتمع محدد، بل يبدو أنه تمت ممارسته في ثقافات قديمة متعددة”، بما في ذلك مصر.
ويشير أربول وراسموسن إلى أن “التقبيل ربما لعب دوراً ثانوياً وغير مقصود عبر التاريخ” من خلال تمكين الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض من الانتشار من فم إلى آخر. لكنهما يقولان إنه “لا يمكن اعتبار القبلة حافزاً بيولوجياً مفاجئاً أدى إلى إغراق المجتمعات بمسببات الأمراض”.
وبدأ الزوجان بدآ بحثهما عن أقدم قبلة الصيف الماضي أثناء مناقشة دراسة حول الحمض النووي القديم لفيروس “الهربس” البسيط 1 على مائدة العشاء. لاحظت ورقة الهربس حدوث تحول في انتقال الفيروس خلال العصر البرونزي (2000 إلى 700 قبل الميلاد) ، “يحتمل أن يكون مرتبطاً” بممارسات ثقافية جديدة “مثل ظهور التقبيل الجنسي الرومانسي”.
واجه أربول صعوبة قليلاً في العثور على وصفات للقبلة من بلاد ما بين النهرين مكتوبة باللغتين السومرية والأكادية. لاحظ هو وراسموسن أيضاً نحتاً من الكالسيت في المتحف البريطاني يسمى “عاشقا عين سخري” والذي عثر عليه في الكهوف بالقرب من بيت لحم ويُقدر عمره بحوالي 11,000 عام.
“كان معروفاً منذ عقود في مجالي”، قال أربول عن الوصفات المكتوبة للقبلة من بلاد ما بين النهرين.
“الشيء الذي يميز علماء الآشورية”، قالت راسموسن، “هو أنهم يحبون المشاجرة في ما بينهم، لكنهم لا يتحدثون حقاً مع الآخرين”.
وهذا يمكن أن يفسر لماذا اعتمد بعض الخبراء الهند كمكان لنشأة القبلة، على الرغم من أن أربول لديه نظرية مختلفة: “أعتقد أن واحداً من المصادر التي يستشهدون بها هي الكتيبات مثل كاماسوترا”. وأضاف مشيراً إلى النصوص التي يُقدر أنها نُشرت بين عامي 2400 و 1700 قبل الميلاد: “من الواضح أن ذلك جذاب جداً لمناقشة السلوك الجنسي، أتخيل ذلك”.
وفي كتابها “علم القبلة: ما تخبرنا به شفتانا” الصادر عام 2011، ذكرت شيريل كيرشينباوم  أن أقدم الأدلة الأدبية على القبلة البشرية “تعود إلى نصوص السنسكريت فيديك في الهند حوالي عام 1500 قبل الميلاد”. ولكنها مقتنعة بأن السلوك يعود إلى حقبة أقدم في التاريخ.
وقالت كيرشينباوم: “نرى الكثير من السلوكيات المشابهة في عالم الحيوان بما في ذلك أقرب الأنواع لنا، مثل البونوبو (أقرب القرود الى الإنسان)، وأعتقد أن نوعنا البشري كان يقبّل منذ زمن طويل”.
وبحسب راسموسن “قد تكون هناك أسباب عملية للتقبيل أيضاً  فقد وجدت بعض الأبحاث أن هدف القبلة، وسبب تطورها، هو أنها توفر فرصة لتقييم شريكك، إذا قبلت شخصاً لديه أسنان سيئة، فمن المرجح أن تكون رائحة فمه كريهة”.
وقالت راسموسن: “قد تسمح القبل للأزواج بتعزيز علاقتهم وتقويتها. وبالطبع أيضاً للإثارة الجنسية (…)، لذا عندما ترغب في الجماع ونقل جيناتك، فإنها مفيدة جداً”.
ويبدو أن القبل الرومانسية خارج إطار الزواج كانت مكروهة ومرفوضة بين البابليين في بلاد ما بين النهرين. اطلع أربول وراسموسن على قصة امرأة متزوجة “كادت أن تضل طريقها بسبب قبلة من رجل”.
وقد يكون لحظر لتقبيل فائدة غير مقصودة تتمثل في حماية الصحة الجيدة للممنوعين من التقبيل. ويشير الباحثان الدنماركيان إلى الدور المحتمل للتقبيل في نشر فيروس الهربس وفيروس “إبشتاين بار” وفيروس “بارفو” B19 الذي يسبب الطفح الجلدي.
لكن حتى الآن لم يكن للعلم سوى القليل نسبياً ليقوله عن التقبيل، بحسب لكيرشينباوم، المتخصص الأكاديمي في جامعة ولاية ميشيغن.
اهتمام البشر بتاريخ القبلة ليس مفاجئاً للورا ويريتش، الأستاذة المشاركة في علم الإنسانية في جامعة ولاية بنسلفانيا والتي شاركت في إعداد إحدى الدراسات المذكورة من قبل الباحثين الدنماركيين. دراستها، التي نُشرت في مجلة “نيتشر” عام 2017، تحلل الحمض النووي من ركيزة الأسنان للنياندرتال وتستخدمه لاستنتاج معلومات حول سلوكهم ونظام غذائهم وأمراضهم.
وأشارت دراسة ويريتش إلى أنه قد يكون هناك تبادل للميكروبات بين البشر والنياندرتال (الإنسان البدائي)، والذي قد يحدث عن طريق مشاركة مصادر الطعام أو الماء  أو عن طريق القبلة.
وفي بعض المقابلات حول ورقة النياندرتال، تخلت ويريتش عن مصطلح “القبلة” لصالح بديل أكثر عفوية، وهو تبادل اللعاب، وقالت “بيولوجياً، فإنه حقاً تبادل للعاب”.
ويرى أستاذ علم الإنسان في جامعة نيفادا في لاس فيغاس وليام جانكوياك “أن القبلة نشأت أو اكتشفت بين البشر في المجتمعات المعقدة (التي تتميز بالتسلسل الهرمي والأنظمة السوقية والكتابة) وانتشرت خارجها”.
وقال” إن الإنسان يمارس التقبيل سعياً للمتعة”.
فانيسا حسنين—النهار العربي

اترك رد