أفكار من الفلسفة: يقينية اللاَّيَقين.. و جدار الغيب المنيع !*فكّر:لخضر خلفاوي -باريس

منبر العراق الحر :

…من أخطر الرهانات الوجودية التي يخوضها الإنسان في الحياة الدّنيا هو رهان ( الإيديولوجيا و المعتقد )..و حتى لا نخطئ شئنا أو أبينا فإنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بحاجة المعرفة التي تسكن الإنسان.
ما ينغّص على مشروع المعرفة انطلاقا من العالم الحسّي و الوجودي و المادي و ارتطامها في كل مرة بسور عالم المجاهيل و الغيب ! مهما تركنا العنان للاجتهاد الفكري فإن كل الآفاق التي اعتقدناها لا محدودة تسكتها أسئلة الغيب و الهوس بوجودها من عدم وجوده و ما يترتب عنه من دوّامات ذاتية تنعشها آلية الشك و الرّيب و العطش للتحقّق من ورائيات الوجود الذي يعتبر حيّزنا الدنيوي الذي لم نختره لأنفسنا بل أُوتِيَ بنا إليه !. التناقض الفكري الذي لاحظته على بعض تيارات اللائكية و العلمانية هو أنهم لا يؤمنون بكل ما هو غير ملموس و غير موجود ، غير حسّي و لا تدركه حواس السمع و البصر و اللّمس في حين تجد ( خيالهم الابداعي واسعا و خصبا و يعتقدون به و يشتغلون عليه و يُؤمنون به إيمانًا مقدسا لأنه عنصرا جوهريا اعتقدوه ك -ضرورة – لبناء منجزاتهم الأدبية و الفنية و الفلسفية و الدرامية المسرحية و إلى غير ذلك من الفنون التعبيرية التصويرية و كذلك جامّ العلوم الإنسانية. فلماذا هم مؤمنون حدّ التعصب بشيء غير موجود بل ليس موجودا أصلا ( الخيال )..
مادام الخيال هو خلق فكرة افتراضية في عقل المتخيّل ثم يتم الاشتغال عليها وفق أدواته الثقافية التربوية ليعطيها أبعادًا و جسدا و صورة مكتملة لتوظيفها في نشاطه الابداع . لماذا كبشر ، كإنسان يؤمن بخياله الخاص كعنصر موجود و يدافع على وجوديته و يرفض جملة و تفصيلا الاعتقاد و الايمان و التسليم بوجود ( هذا الموروث البشري ) أي ما تحدثت عنه الديانات و وجود ( مخترع و مختلق الديانات) من أمور غير حسية و غير ملموسة و تقع في عوالم و أبعاد غيبية !؟.

-كلّنا نعرف أن المعضلة – اليقينية – بالمفهوم الوضعي تشكّل القاسم المشترك بين أصحاب الايديولوجيات المتضاربة، و يأخذ الشّك لديها نصيبا لا يُستهان به.
-كأنّ يموت أحدهم لا يؤمن بيوم القيامة كونه يعتبر ( الدّين إيديولوجية دوغماتية لرجال دين ) و تاركا- وراءه نصيحة شعارية -جارية- على فضائه للعامة:”العلمانية هي الحل!”

و يقضى الآخر ( يعتقد و يؤمن بالله و بالقيامة إيمانًا راسخاً و أن إيديولوجيته ليست إيديولوجية بل هي دين الله، تاركا وعظا على صفحته :” الدين هو الحل !”..
-يُعلّق المُعتقِد سُخرية على عبارة الرّاحل الأوّل: و يوم القيّامة ..( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ / إنّك ميّتٌ و إنّهم ميتون ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.)
**
و -يعلّق سُخرية و استفزازا اللامُعتقد من كتاب المُؤمن المُعتقِد:
:(..لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ / أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا).

*و يموت كل ّ من الفريقين من كل أمّة و لا يمكن لعاقل أن يقول جازما أنه سيرحل على يقين مطلق بما اعتقد أو عدم الاعتقاد. فعدم الاعتقاد و عدم الايمان هما اعتقاد بعدم الاعتقاد !…
-الملاحدة أنفسهم الذين كفروا بكل الديانات و بآل شكل من أشكال الإيمان العقيدي الكلاسيكي أنتهوا بتأسيس (دين) مناهض لكل الديانات و لا يعترف بها و أطلق عليه ( دين الملاحدة ). أو ( دين الإلحاد).
أي:
“الدين الملحد” هو تعبير جديد حديث يستخدم أحيانا لتعيين مجموعة من الطقوس أو المعتقدات أو القواعد أو العقائد التي تعتمدها طوائف فكرية إيديولوجية ، مجموعة أو شخص، لا علاقة لها بأي آلهة أو أيّ ربوبية كلاسيكية. الأديان الملحدة هي قابلة للمقارنة مع أشكال الفلسفة أو الروحانيات المتوازية و المتنافرة مع روحانيات الديانات التقليدية .
**
*أطرح دوما على نفسي هذا السؤال الذي يلامس جدران عالم الغيب المنيعة السميكة : باستثناء موت الفجأة و الحوادث، يقتلني سؤال الفضول فيما يتعلق بشخص على فراش الموت . بما يفكّر اللامعتقد ( اللاديني ) و اللامؤمن و الملحد عند شعوره و تأكده باقتراب الموت في السكرات الأخيرة ؟و كيف ستكون معنوياته و آخر أفكاره و هو يودّع الدّنيا دون رجعة إليها ؟

-و بما يُفكّر المُعتقِد و المؤمن و الدّيني في سكراته الأخيرة ، كيف هي معنوياته و آخر أفكاره و هو على يقين بالرحيل الفوري اللامرجوع فيه ؟
*أيهما يرحل بأكثر معنويات إيجابية أو بأقلها أو بأكثر ثقة أو بأقلها ، من هو الذي يقابل لحظة الوداع بأكبر خوف أو بأقل جزع من مرحلة ما بعد الفناء؟
*أحمق من يجزم و يكون يقينيا بوصف أو تكهن موقف من يواجه السكرات الأخيرة !.

—–*) كاتب، مفكّر، مترجم، إعلامي، تشكيلي ، مصور فوتوغرافي، مدير تحرير -نشر صحيفة ( الفيصل ) -باريس.
*باريس الكبرى جنوبا
٢ جوان ٢٣

اترك رد