هروب من الداخل … كتب : مهند سري

منبر العراق الحر :
يأخذ الهروب من الواقع، أشكالاً عديدة، لعل أحلام اليقظة واحدة منها، وربما مصباح علاء الدين يعد أحد شوارد النفس للوصول الى الغنى، او تحقيق الذات، او الإنتقام من عدو ما، فهو يتراءى لكل واحد منا حتى لآخر عمره، برغم أنه لايعدو أن يكون خيالاً، او من أساطير الف ليلة وليلة، ومن طريف ما حدثني به زميل، أنه لطالما يعتزل من حوله، ليطوف في دواخل النفس، يرنو الى الحاضر غير المرأي عبر طاقية الإخفاء، ليشبع حاجاته المكبوتة.
غيرأن أنماطاً أخرى من الهروب، مثلت ردة فعل لمجريات الحياة العصيبة، وأمام حالة الإحباط وسوداوية المشهد العراقي، تصاعدت معدلات الإنتحار بين الشباب، فيما لم تتخذ الحكومات المتعاقبة موقفاً جاداً لصالح الأزمة الشبابية، مكتفية بنصائح لاتجدي نفعاً، وإجراءات مخجلة، مثل وضع اسلاك شائكة على أسيجة الجسور لمنع الإنتحارغرقاً، فيما الوسائل الأخرى فمتاحة ولاريب، من الحبوب الى السكاكين، وصولاً الى السلاح المباح والمنفلت!!
ومن نافلة القول، أني كنت ذاهباً الى الدوام ، وقد اعتدت على عبور جسر الباب المعظم، مشياً على الأقدام، فرأيت شاباً يقف على سياج الجسر متكئاً على أحد أعمدة الإنارة الضوئية، فركضت نحوه وامسكت به، وصحت على أحد الجنود الذي كان يقف في الجانب الآخر من الجسر، لإنقاذ الشاب، غير أن الفتى دحض دعواي مؤكداً “لست منتحراً، وانما اريد أن التقط صورة من أعلى الجسر لحبيبتي”، فتركته وأنا أغذ السير للحاق بالبصمة قبل أن تغلق وأنا احس بالفشل!!
ومن اخطر انواع الهروب، التي شاعت أخيراً في مجتمعنا، هي تغييب العقل، واطلاق العنان للوهم ليسيطرعليه، عبر تعاطي المخدرات، ولاسيما في ظرف شجع فيه الإنفلات الحدودي الى المتاجرة في ” الصنف”، كممر دولي آمن من جهة، وسوق مستهلكة له.
يرى بعض المراقبين في تشديد العقوبة الحل الأمثل، مستلهمين من الماضي الذي كان العراق فيه خالياً من المخدرات بفعل صرامة الأحكام التي لاتفرق بين التاجر والمتعاطي في العقوبة وهي الإعدام .
في حين يطرح آخرون رأياً مفاده تشديد العقوبة على التاجر، ومعالجة المتعاطي، لكن لاأحد يتناول المسببات التي كانت وراء تفاقم الإدمان في وسط الشباب بشكل خاص.
عدم إهمال الجانب العقابي، مهم وضروري، لأننا نتعامل مع واقعة جرمية ضد المجتمع، لكن من الأهمية بمكان أن نتداول الموضوع من زاوية أخرى تستحق البحث والدراسة، وهي أزمة جيل محبط، لايجد في حاضره أملاً، ولامستقبله ضوءاً ينير له الدرب.

 

اترك رد