جدلية العلاقة بين الاحزاب السياسية والسلطة …..كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
مشكلة الكثير من الناس انهم لا يؤمنون بأن الحاكم ‘ انسان يخطىء ويصيب ‘ يغضب ويرضى ‘ يحب ويكره . كل الذين حكموا العراق كانوا قد نشأوا في بيئة اجتماعية وسياسية لها عاداتها وتقاليدها ‘ وكان واضحا تأثير تلك البيئة على سلوكهم السياسي ‘ سواء من خلال الاحزاب التي انتموا لها او من خلال السلطة والحكم . وكون الاحزاب السياسية جزءا من المجتمع ‘ نجد ان ثمة علاقة جدلية بين المجتمع وتلك الاحزاب.يعود تاريخ الاحزاب في العراق الى بداية تأسيس الدولة العراقية ‘ حيث ظهرت احزاب ذات نزعات ايديلوجية ‘ تباينت في ظهورها واختفائها بناءا على الحاجة المرحلية لكل حزب . وصفت بعض تلك الاحزاب انها ذات توجه يميني ويساري وليبرالي واشتراكي وديمقراطي واسلامي . هناك احزاب ارتبط اسمها بعوائل عراقية معروفة . حتى وصلنا لمرحلة ( الحزب القائد ) ‘ الذي احترف اقتناص السلطة واحتكارها بعد ذلك . حكم حزب البعث العراق لعقود من الزمن ‘ كانت من نتائج هذا التحكم بالحياة السياسية للعراق ان تسلق للسلطة عرفاء في الجيش والشرطة وتم منحهم رتبا عليا ‘ مما جعل القادة العسكريين الحقيقيين في وضع مهين وحرج والحال انهم اكتسبوا رتبهم بوتيرة زمنية منضبطة تبعا للتراتيبية العسكرية المعروفة . فظهر لدينا اولاد عم الرئيس بمناصب عليا هابطين ببرشوت القرابة والمصاهرة فوق من سبقوهم خبرة ومرتبة ‘ مثلا علي حسن المجيد ( ابن عم الرئيس ) ‘ بدأ مشواره العسكري نائب عريف في القوة الجوية وظيفته تحميل الطائرات بالعتاد والاسلحة في القاعدة الجوية في الحبانية بشهادة الفريق الركن الطيار عارف عبد الرزاق . انتقل بعدها ليكون مرافقا لوزير الدفاع حماد شهاب بعد ذلك منحة ابن عمه صدام حسين رتبة فريق اول ركن واصبح المسؤول الاول عن امن شمال العراق وتنقل بالمناصب العليا بين وزير الداخلية ووزير الدفاع . حسين كامل ايضا تسلق من نائب عريف في الجيش وسائق دراجة بخارية ضمن افراد حماية خير الله طلفاح ‘ وبسرعة الصاروخ تربع على عرش العروش وحصل على رتبة فريق اول ركن في الجيش ثم وزيرا للدفاع ثم وزيرا للتصنيع العسكري ‘ وكان يتصرف بأموال العراق من دون حسيب او رقيب ‘ لذلك لم يستطع ان يتوازن امام مغريات المال والسلطة خاصة وهو يعرف ان عمه صدام قد وصل السلطة ايضا من دون جهد كبير وانتقل من اخر صفوف حزب البعث ليهيمن على جميع مقدرات الدولة ( ويصبح الحاكم بأمره ) . ولم يكن غريبا ان ينحسر النشاط الحزبي في العراق حتى جاءت تجربة التغيير السياسي بعد 2003 . مررنا بحالة من الفورة الحزبية ‘ حيث تم تشكيل الكثير من الاحزاب السياسية وصل عددها الى ما يقارب 550 حزبا ‘ معظم هذه الاحزاب كانت تجمعات بشرية لم تخضع للانضباط الحزبي الصارم ولم تتأثر بالتحولات العلمية والعصرية . مما جعل الانطباع العام لدى العامة ان التمركز اصبح نحو احزاب المصلحة وليس نحو احزاب العقائد والمبادىء . لذلك نشاهد ان الكثير من الاحزاب لم تستطع ان تحشد الا بنسبة ضيئلة قاربت العشرين في المئة . وقد رافق ذلك تراجع مستوى المشاركة في الانتخابات . لابد من الاشارة هنا الى بعض العوامل المهمة التي تؤثر في ازدهار الاحزاب السياسية في العراق واهمها :
اولا : ايجاد بيئة وطنية وسياسية ومناخ منفتح نحاول من خلاله ان نستوعب القوى السياسية الجديدة لان الاحزاب هي مدارس تبني اجيال صاعدة من الكوادر من اجل ان تملء الفراغ السياسي بدماء متجددة وحيوية .
ثانيا : التكوين الحزبي يتطلب وجود اهداف محددة فاذا انتفى وجود الاهداف انتفى وجود الحزب وتحول اقرب ما يكون الى تجمع من الناس . لابد للحزب ان يكون له نهجا فلسفيا وثقافيا وفكريا تضمن له عوامل التطور والاستمرار والبقاء .
ثالثا : ان وجود زعامة تاريخية رصينة للحزب تجعله حزبا قويا وعلى درجة عالية من التضامن بين قمة الحزب وقاعدته . لكننا نلاحظ مثلا ان حزب البعث الذي عرف بتشدده كانت افكاره جامدة بحيث انه سيطر على بلد عظيم وغني مثل العراق ‘ قاده للحروب والخراب حتى تغيرت الاحوال وتبدلت الامور .
رابعا : لابد من وجود اليات موضوعية لتصعيد كوادر جديدة بعيدا عن المزاجية والاهواء والاستعراض والعلاقات . شاهدنا الكثير من الاحزاب لا تقف على ارضية وطنية وتضيع بالصفقات والمصالح وتنسى ان مصلحة الوطن فوق الجميع
خامسا : اعتماد مبدأ التدريب السياسي في اطار الانشطة التقليدية ‘ بمعنى فتح ورش تثقيفية للتدريب على ممارسة السياسة الامر الذي معه تنفرز قيادات جديدة . بما ان العراق بلد برلماني وليس رئاسي هذا من شأنه ان يعزز دور الاحزاب وقوتها في الحياة العامة لتحقيق فرصة المشاركة السياسية . الحالة السياسية العراقية مؤاتية لكننا نحتاج الى تقوية الحياة الحزبية للوصول الى دولة حديثة بمعايير عصرية.
رياض

اترك رد