الجعد بن درهم يذبح من جديد….عدنان طعمة

منبر العراق الحر :
سواء اتفقنا أو اختلفنا مع أفكار “الجعد بن درهم” لكن تظل طريقة القتل وظروفها سبة فى أعناق من فعلوها، لأنهم بفعلتهم كانوا أكثر جرأة على حرمة الدين من “الجعد” الذى أصاب وأخطأ..
فمِن على منبر رسول الله وقف حاكم البصرة خالد بن عبد الله القسرى فى يوم عيد الأضحى في الكوفة، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: أيها الناس انصرفوا إلى منازلكم وضحوا -بارك الله لكم فى ضحاياكم-، فإنى مضحٍ اليوم بالجعد بن درهم.. ثم حمل “سيفه” وذبحه أمام المصلين وهم ينظرون..
وقد لاقى خبر قتله إستحساناً من العامة ومن علماء السنة، ومنهم الحسن البصري..
وقد سعد كثير من العلماء على مر التاريخ بما حدث للجعد بن درهم،
وذهب منهم إلى القول أن ذلك “أفضل وأعظم أجرا من الأضحيات؛ لأن هذه فيها قطع لدابر الفتنة والشر والفساد، ثوابها أعظم من ثواب الأضحية…
أما المترفقون بـ”الجعد بن درهم” فيرون أن “الجعد” أراد أن يبالغ فى توحيد الله وتنزيهه، مما دفعه إلى القول بنفى الصفات التى توحى بالتشبيه وتأويلها، ومن بينها صفة الكلام، مما أدى به إلى أن يقول بخلق القرآن، وقيل أنه تأثر فى قوله هذا بـ”أبان بن سمعان” الذى كان أول من قال بخلق القرآن..
المدافعون عن القتل والشامتون فى “الجعد بن درهم” رأوا أنه جاء بأمر عجبا، فـ”الجعد” أول من قال بـ”نفى الصفات”، وهو أول من حفظ عنه فى الإسلام مقالة “التعطيل”، وكان الذى تكلم به فى صفتين: أنكر صفة التكليم فنفى أن يكون الله قد كلم موسى تكليما، وأنكر صفة الْخُلَّة،فذهب إلى استحالة أن يتخذ الله إبراهيم خليلا، إذن فقد أنكر على الله صفتين، لكن هاتين الصفتين ترجع إليها جميع الصفات؛ لأن إنكاره للكلام إنكار للشرائع والنبوات والكتب المنزلة، فالله -تعالى- تكلم وأرسل الرسل، وأنزل الكتب بالكلام، فمن أنكر كلام الله معناه أنكر الكتب المنزلة والرسل، وأنكر الشرائع.
ويقول اسلاف ابن تيمية :
لا يخفى على أحد أن الأضحية الشرعية هي ذبح شاة أو بقرة أو بدنة بصفة مخصوصة في أيام الأضحى تقرباً إلى الله تعالى بإراقة دمها، وليأكل منها المضحي وأهله ويهدي من لحمها إلى أصحابه ويتصدق منه على المساكين، وأن خالداً لم يذبح الجعد ليأكل من لحمه ويهدي ويتصدق ! وإنما سماه تضحية لأنه إراقة دم يوم الأضحى تقرباً إلى الله تعالى ، فشبهه بالأضحية المشروعة من هذا الوجه ؛ كما سمى بعض الصحابة وغيرهم قتل عثمان تضحية ؛ لأنه وقع في أيام الأضحى…
ووفق هذا التصور فهل يرضى هذا السلف إن اقترحت رأيا من باب الافتراض إن المسلم الشيعي ابو أسراء المالكي قد اعدم صدام حسين يعد تضحية أيضا لأن وقع في أيام الأضحى؟؟..
نحر ” الجعد بن درهم” اسفل منبر اسلامي اعتلاه السفاح القسري بأمر من هشام بن عبد الملك، وهذه هي اول حفلة دموية لمقاضاة الفكر والذي تبناه في التاريخ المعاصر السلف الأعلى في التنظيمات الجهادية وفكرها الارهابي.. فخالد العسري هذا غير مفهوم الاضحية ونقلها بشكل خطير ورهيب الى قتل النفس البشرية وهو تماما مانراه في العراق وسوريا وصحراء ليبيا من عمليات ارهابية ينحر بها اشخاص وامام الكاميرا في مشاهد تلفازية..
ذبح ابن درهم لا لشيء إلا لأنه حمل رأيا مخالفا في الدين، سواء اتفقنا معه أم أختلفنا ، ذلك الدين الذي فتح بابا واسعا للتأويل، ليغلقه القسري وابن عبد الملك.
كما ان الارهاب الاموي في الكوفة له نظائر في التاريخ الكنسي الارهابي ففي عام 1600 أحرق عالم الفلك غيوردانو برونو بعد اتهامه بالهرطقة، أى الخروج عن الدين حسب ماتراه الكنيسة، حصل هذا بأمر من محكمة فاتيكانية مختصة بخروقات قواعد الدين. جنود هذه المحكمة، وهو جهاز يخضع لسلطة رجال الدين… ساقوا غيوردانو من سجنه إلى ساحة الورود فى روما، حيث قيدت يداه وربط بعامود وأشعلت النار بالأخشاب…
الدين العقلاني والدين العلمي والدين القلبي ليس سعادة وهمية كما ذهب في رؤيته المعتقدية – ريجيس دوبريه- لكننا وكما يقول الكاتب الاستاذ خليل المياح مطالبون بأكتشاف أقاليم جديدة للمعنى، وزحزحة المعاني العتيقة من مركزيتها وتفكيك مفردات عزيزة على اللاهوت، مثل الكفر والكافرين، مع علمنا ان العرب القدامى أطلقوا مفردة الكافر على الزارع لانه يغطي الحبوب بالتراب وعلى الليل الذي يغطي على الكون بالظلام…

اترك رد