حين كنتُ أُسافرُ…روضة الحاج

منبر العراق الحر :

حين كنتُ أُسافرُ
كان أبي يتوجّسُ من غيبتي
قلقاً
ويظلُّ على هذه الحالِ
حتى أعودْ
يُدجّجني بالوصايا
يدسُّ بجيبي التعاويذَ
يقرأ (يسينَ)
يغمرني بالدعاءِ
ويسأله لي السلامةَ
حتى أعودْ
حين كنتُ أُسافرُ
كنتُ أُحسُّ
بأني أُقتلعتُ من الأرضِ
أن جذوري هناك
على ضفةِ النيلِ
في نبعِ توتيلَ
أو تحت أي (تبلديةٍ)
أو على جبلٍ
من جبالِ الكجورِ
وفي بابِ سنارَ وهي
تضيء القناديلَ
والكونُ من حولها
غارقٌ في الهجودْ
لقد كنتُ أشعرُ
أن جذوري هنالك
في قصرِ دينارَ
في كلِّ تلك النجوعِ الندياتِ
أعلو (كهجليجةٍ)
وقفت في شموخٍ
ومن تحتها الأرضُ شوقاً تميدْ
حين كنتُ أسافرُ
كنتُ أحسُّ
بأني انتزعتُ انتزاعاً
وأني تركتُ ورائي بلاداً
سيتبعني شوقُها
أينما كنتُ
يرجعني دائماً من جديدْ
وها أنا ذي اليومَ
سافرتُ
مثل الطيورِ التي سبقتني
بعيداً بعيداً
وعيناي نحو البعيدِ البعيدْ
أبي لم يعُدْ حاضراً
ليقولَ لي انتبهي
والبسي (التوبَ) كي يعرفوا إرثنا
واستعيني بربكِ
كوني بخيرٍ
زمانُكِ غير زمانيَ
ثم أرى صوتَه
غارقاً في الشرودْ
أنا الآن من أتوجسُ في غربتي
يا أبي
لا عليَّ
ولكن عليه!
على وطنٍ
ظلَّ مأوى الشموسِ
(وتقابة) الذكرِ
أرض التكايا
وسيفَ مرؤاتنا
(وضرانا الكبيرَ) الذي ضمّنا
واحتوانا
وطُهرَ المسيدْ
على وطنٍ
يتنازعه الآنَ أبناؤه
لا يرون المشيبَ على رأسِه
لا يعدون هذي التجاعيدَ في وجهِه
لا يرون الدموعَ بعينيه
إذ تستحيلُ
دماً
كلما هتفوا قائلين
لقد سقطَ الآن مِنَّا شهيدْ!!

#السمراء_روضة_الحاج
#حفظ_الله_السودان_وأهله

اترك رد