سيلين ديون تُعاند الألم في وثائقيّ صريح: أنا لستُ ميّتة!

منبر العراق الحر :

أنا لستُ ميّتة”،”je ne suis pas morte”. بضعة كلمات بالفرنسيّة الكنديّة رسمت بها سيلين ديون، الأشهر من أن تُعرّف، ملامح شخصيّتها التي أكسبها إيّاها مرضها النادر. قبل أيّام، أكّدت عزمها على العودة إلى المسرح “حتى لو اضطرّت إلى الزحف”. والثلاثاء، وقفت بين جمهورها، شعبها الذي أقسم على الوفاء، على السجادة الحمراء قبل العرض الأول للفيلم الوثائقي “أنا: سيلين ديون” في نيويورك.
فيلم عميق غير متملّق، يُعيد تعريف الصراحة في الأفلام الوثائقية التي تتغذّى على حيوات المشاهير، يدخل منزل المغنّية (56 عاماً) وينقل صورة حقيقيّة من دون مجاملات، بعيدة من التصنّع ومتطلّبات الشاشة. يضع “أنا: سيلين ديون” الثرثرة والحيل البصريّة والمؤثّرات فائقة الجماليّة جانباً، ليُقدّم نظرة صريحة إلى الواقع المستجدّ للمغنّية التي تصارع متلازمة الشخص المتيبّس – وهو واحد من أمراض المناعة الذاتية لا علاج شافياً له – والتي وقفت طفلةً أمام رينيه أنجليل، قبل أن يصبح زوجها ووكيل أعمالها، وغنّت حاملةً قلم رصاص، عوضاً عن الميكروفون، “لم يكن إلّا حلماً”.
 لا يتغذّى الوثائقي على المأساة – مع أن لا مفرّ من ذلك – بقدر ما يسعى إلى تقديم صورة امرأة صلبة، متمسّكة يجمهورها وإرثها، ومتعهّدة بالوقوف على المسرح “وإن اضطرّت إلى مخاطبة الحضور بالإيماء”.
(أ ف ب)
الخطوط العريضة التي تُحدّد معالمه ويسير على سكّتها لا تكتفي باستعراض آلام سيلين ومرضها بقدر ما تُصوّر حبّها لعائلتها وأصدقائها وتعلّقها بموسيقاها. ويبلغ ذروته بمشهد استوى الجمهور أمامه في كراسيه صامتاً، متأثراً. على الشاشة جسدٌ نحيلٌ ملتوٍّ، مستلقٍ بوهنٍ في خضمّ نوبة تشنّج صعبة. مشهدٌ مطوّل يُظهر سيلين في حالة مؤلمة. التفاصيل مأسويّة، والكاميرا ترصد الانفعالات وتقتنص التفاصيل. تعاني نوبة صرع تجعلها عاجزة عن الحركة، وأكثر من ذلك، غير قادرة على التحدّث.
داخل منزلها الفخم في فيغاس، حيث تعيش مع توأميها المراهقَيْن، تفتح أوراقها واليأس منخفض المستوى. “عندما يجلب لك صوتك الفرح، تكون في أفضل حالاتك”، تقول بتواضع، بينما تنظر إلى النجمة التي كانتها وتذرف الدموع الصادقة على خدّيها. تتحرّك كاميرا المخرجة إيرين تايلور قليلاً، باضطراب وخفّة، حول المرأة التي تُعاند قدرها. قصّة حياتها تتبلور مثل حكاية خياليّة تبدأ من حيث تنضج التجربة ويختمر الألم. قصّة طفلة مهووسة بالغناء، جاءت من بلدة صغيرة في كندا وبلغت القمم العالمية، مع عائدات حفلات تفوق المليار دولار، لتضربها لعنة القدر.
كان مطلب سيلين الوحيد أن تكون قادرة على رواية قصتها بأسلوبها الخاص، وهو ما عملت عليه مخرجة الفيلم إيرين تايلور. هذه الأخيرة كانت خياراً ذكيّاً، هي التي رُشّحت لـ”الأوسكار” وأنجزت أفلاماً غير خياليّة عن المرض والألم والقضايا الإنسانية، مثل إساءة معاملة الأطفال.
(أ ف ب)
تعاملت تايلور مع سيلين-المرأة وسيلين-النجمة من دون أيّ زيف تجاريّ غالباً ما تنطوي عليه الأفلام الوثائقية المنمّقة التي تتناول سِيَر النجوم. نرى جوانب حياتها كافّة هنا، من لقطات جناح الولادة الحميميّة خلال ولادة ابنها الأول، إلى مشاهد الحزن أمام نعش رينيه أنجيليل، ومشاهد أرشيفيّة وأخرى لطيفة وعفويّة من داخل منزلها، مع أولادها وكلابها، تضفي صورة مريحة لسيلين-الأم.
تعود تايلور إلى سيلين في أوجها، على سبيل المقارنة. ثمّة لحظات يكشف عنها الفيلم الشخصيّ وتصرّفات يُعلّلها، إذ يكشف الحِيَل التي لجأت إليها سيلين مراراً لإخفاء ضعف الصوت أثناء الحفلات، بينما يُحوّل المرض فرح الغناء إلى مشقّة. نعرف الآن لماذا كانت توجّه الميكروفون نحو الجمهور أو تربّت عليه مراراً وتكراراً للتشويش على الصوت.
“الفيلم رسالة حبّي لكلّ واحد منكم”، قالت سيلين داخل صالة في مانهاتن كانت تعجّ بالحاضرين قبل عرض الفيلم. شبّهت نفسها بشجرة تفاح، واستخدمت الاستعارة في الفيلم، قائلة إنّها لطالما شعرت بأنّ عليها إنتاج فاكهة لامعة لمحبّيها الذين كانوا على استعداد لدفع مبالغ كبيرة والانتظار في طوابير طويلة لحضور حفلاتها. يبدو التأثّر عليها، وتجهش بالبكاء. أحد المعجبين قال لها في رسالة استعادتها: “نحن لسنا هنا من أجل التفاح، نحن هنا من أجل الشجرة”.
المصدر: النهار العربي
شربل بكاسيني

اترك رد