صفحات من عالم طفولتي … ولاء العاني

منبر العراق الحر :

في صغري كنت املك جزيرة في الخيال لا يشبهها شيء في العالم. جمعت فيها كل الدمى التي كنت العب بها. وبنيت لهم منازل وحدائق، حولها اسوارا ذكية تقرأ وتكشف حتى الأفكار الغبية. قررت انني لن اتعثر بعد اليوم رغم ان عروستي المفضلة كان حجمها اكبر من جسدي واثقل لهذا كنت اجرها خلفي . أطلقت عليها اسم ( سوزي ) فقد كنت اعتقد ان للدمى اسماء وعناوين مثلنا . الصقت رأسها الذي كسرته صديقتي ( ابتسام ) .. كانت طفلة صغيرة بريئة وجميلة . لكنها اخبرتني وهي تبكي عندما سالتها عن السبب ،

ان والدتها قالت : انهم لن يشتروا لها دمية لانهم لايملكون ثمنها . كان الحصار يقتل كل شيء في بلدي حتى الاحلام . في اليوم التالي رميت احدى لعبي الجميلة في حديقتهم . كنت قد اخفيتها لانني لا اريد ان يلمسها احد . فاحيانا يزورنا بعض الاطفال وكانت والدتي تجبرني ان اعطيها لهم وقد كانوا يزعجونها كثيرا . نظرت والدتها في عيني عندما هنأتها عليها وقالت : ولاء انت طفلة حكيمة . لم افهم ما تعني هذه الكلمة في حينها لكنني حفظتها فقد فرحت بها كثيرا .

هذا اليوم قرأت قصة كافكا والدمية المسافرة فعادت بي الذكريات الى طفولتي فتذكرت هذه الحادثة . كافكا الذي كان يتمشَّى في حديقة ( شتيغلتس في برلين) عندما وجد فتاة تبكي قالت انها فقدت دميتها . بحث معها دون جدوى . ثم اتفقا ان يلتقيا في اليوم التالي ليتابعا البحث . وعلى مدى ثلاثة عشر يومًا كان يأتي إليها ومعه رسالة تروي فيها الدمية جزءا من مغامراتها لتلك الطفلة حتى تصبر .
كانت الفتاة تبدو متشككة وتسأل: من اعطاك الرسالة ؟ لكنه كان مقنعا جدًّا . والفتاة تقول في سرها : هل يمكن أن يكون ما يقوله هذا الرجل الغامض حقيقيا ؟ كان كل يوم يكتب رسالة فيها كذبة جديدة مقنعة تمنح الفتاة واقعًا مختلفًا . لكنه شيء يمكن تصديقه وفق قوانين عالم الخيال . والفتاة كانت تنتظره بشوق ولانها لاتعرف القراءة . كان يقرأها لها هو .

تقول الدمية في احداها : انا آسفة جدًّا لانني تعبت من العيش مع نفس الأشخاص واحتاج إلى الخروج لاكون صداقات جديدة . من فضلك لا تحزني ..

بعد بضعة أيام كانت قد نسيت أمر اللعبة الحقيقية .

ذات يوم استعادت الفتاة دميتها . كانت مختلفة فقد اشتراها لها كافكا كهدية . لكنها عندما كبرت ومات كافكا وجدت رسالة محشورة في شق غير ملحوظ في الدمية البديلة العزيزة كتب فيها يقول :
( كل ما تحبينه سوف تخسرينه في الآخر . لكن الحب سوف يعود في شكل مختلف في نهاية المطاف )
الان تبين لي انني كنت واهمة فقد كنت ارى الكثير من الاشياء ملونة صغيرة رغم انها كانت سوداء . لم يكن عقلي الصغير يعرف حجمها وشكلها الحقيقي لانه فقير من الادراك . فهمت الان ماذا قصدت ام ابتسام بقولها انت حكيمة . ولا ادري هل فهمت صديقتي الحكاية أم لا ؟.. وتساءلت كم رسالة مخفية في جوانب غامضة من حياتنا لم نجدها وبقيت تفسيراتنا للكثير من المواقف خافية علينا حتى الان ؟

تلك كانت قصة من واقع طفولتي احببت ان اشارككم اياها

 

اترك رد