منبر العراق الحر :في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، يبدو أن العراق بات في قلب أحداث تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والإشارات. زيارة ممثل الأمم المتحدة في العراق، السيد محمد الحسان، إلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف تعد تطوراً لافتاً، يثير العديد من التساؤلات حول ما يُخطط لهذا البلد في ظل مشهد دولي مضطرب، خصوصاً مع التصعيد في سوريا والتحركات الإقليمية المحمومة . السيد محمد الحسان، خلال لقائه بالمرجع الأعلى السيد علي السيستاني، شدد على أهمية دور المرجعية في حماية العراق من التجاذبات الإقليمية والدولية، وعلى ضرورة التنسيق بين بعثة الأمم المتحدة والحكومة العراقية لضمان استقرار البلاد. إلا أن الغموض لا يزال يحيط بطبيعة الملفات التي ناقشها الحسان مع المرجعية، خاصة بعد إحاطته لمجلس الأمن الدولي حول الوضع العراقي، مما يعزز من احتمالية وجود “طبخة سياسية” تُجهز في الكواليس قد تتجاوز الداخل العراقي لتشمل المنطقة بأكملها .
تحركات إقليمية ودولية: العراق على مفترق طرق
تشهد المنطقة حراكاً غير مسبوق، حيث تداخلت زيارات سريعة ومكثفة لمسؤولين دوليين وإقليميين مع التصعيد في سوريا. ومن بين هذه التحركات :
اولاً. زيارة قائد القوات الأمريكية إلى سوريا، ثم العراق، حيث التقى بالسيد السوداني في بغداد.
ثانياً. زيارة غير معلنة وسريعة لرئيس الوزراء العراقي إلى الأردن، ولقائه بالملك عبد الله الثاني .
ثالثاً. زيارة مفاجئة للملك الأردني إلى الإمارات ولقائه بالرئيس محمد بن زايد.
رابعاً. عودة السوداني إلى العراق لاستقبال وفد من الخارجية الأمريكية، ثم تلقيه اتصالاً هاتفياً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
خامساً.زيارة وزير الدفاع الألماني لبغداد ولقائه بالقيادات الأمنية العراقية.
سادساً. وصول مبعوث الأمم المتحدة إلى النجف للقاء المرجعية الدينية، حيث خرج بتصريحات تؤكد أهمية أمن واستقرار العراق.
سابعاً. بعد وصول مبعوث الامم المتحدة ولقائه بالسيد السيستاني وزير الخارجية الايراني يصرح ان امن واستقرار العراق خط احمر وان الجمهورية الاسلامية لن تتخلى عن امن واستقرار العراق .
ثامناً . بعد هذا كله السيد السوداني يهاتف السيسي بما يخص المنطقة وامنها .
هذه التحركات المكثفة والمتزامنة تشير إلى أن العراق بات في صلب اهتمامات القوى الإقليمية والدولية، وسط مؤشرات على إعادة صياغة التوازنات في المنطقة، وربما على غرار ما يحدث في سوريا من صراع محتدم.
قرارات “جريئة وعاجلة”: ماذا يحمل المستقبل للعراق؟
توقيت هذه التحركات يُثير تساؤلات حول الخطوات القادمة. البعض يرى أن العراق قد يكون على أعتاب قرارات حاسمة، هل سيكون من ضمنها حل الفصائل المسلحة وإعادة هيكلة الحشد الشعبي ؟. وهل سيتم تحجيم الفساد ومعالجة وسوء الإدارة، وهي تحديات وصفها السيد الحسان بأنها تتطلب إرادة شجاعة وإجراءات عملية.تحييد العراق عن صراعات المنطقة، وهو أمر أكدت عليه المرجعية خلال لقاءاتها المتكررة مع بعثة الأمم المتحدة . لكن التحدي الحقيقي لا يقتصر على الحلول الأمنية فقط، بل يمتد إلى معالجة جذور الأزمات التي تعصف بالعراق منذ سنوات، من انهيار البنية التحتية إلى ضعف دولة المؤسسات.
العراق وسوريا: ارتباط المصير؟ التوتر في سوريا يعكس مدى هشاشة الوضع الإقليمي، والعراق، بحكم موقعه الجغرافي والجيوسياسي، يتأثر مباشرة بما يحدث هناك. الحدود المفتوحة، التداخلات الطائفية، والمصالح الدولية تجعل العراق أكثر عرضة للتأثر بأي تصعيد في سوريا. لذا، فإن استقرار العراق يبدو جزءاً من معادلة أكبر تتضمن سوريا وجيرانها .
المرجعية كصمام أمان : زيارة السيد محمد الحسان المتكررة للمرجعية تؤكد الدور المحوري الذي تلعبه النجف الأشرف كصمام أمان للحفاظ على وحدة العراق واستقراره. الرسائل التي حملها المبعوث الأممي قد تعكس قلق المجتمع الدولي من أن يتحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات، خصوصاً في ظل التجاذبات بين واشنطن وطهران، وتصاعد التنافس السعودي-الإيراني في المنطقة.
السماء حبلى: قرارات تنتظر التنفيذ : العراق يقف أمام مرحلة مصيرية تتطلب وضوحاً في الرؤية وجرأة في اتخاذ القرارات. التحديات كبيرة، والمخاطر تزداد مع استمرار التوترات الإقليمية والدولية. السؤال الأهم: هل ستكون الحكومة العراقية قادرة على الاستجابة لهذه التحديات؟ أم أن العراق سيظل يدور في دوامة التجاذبات الإقليمية؟ كما قال السيد الحسان، “خير البر عاجله”. التغيير يتطلب خطوات حقيقية، تبدأ من بناء دولة المؤسسات، تقوية الأجهزة الأمنية، وتعزيز السيادة الوطنية. فهل سيشهد العراق هذا التغيير قريباً ؟ أم أن “الطبخة” الدولية والإقليمية ستفرض واقعاً جديداً ؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة .