منبر العراق الحر :
يلتهم الاكتئاب نحو 280 مليون إنسان في العالم؛ إذ يصيب حوالي 6 بالمئة من النساء، فيما يصيب نحو 4 بالمئة من الرجال، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، وعلى ما يبدو فإن النساء لسن فقط صاحبات النصيب الأكبر من الإصابة بالمرض، لكنهن يواجهن أيضاً مخاطر صحية تفوق ما يتعرض له الرجال المصابون بالاكتئاب.
النساء في المواجهة
يُعدّ الاكتئاب ثالث مسبب للأمراض في العالم، وتكشف الدراسات السابقة ارتباطه بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك النوبة القلبية والذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، الأمر الذي قد يقود للوفاة بأحد هذه الأمراض.
ووجد الباحثون في الدراسة الجديدة أنّ النساء اللاتي تم تشخيصهن سابقاً بالاكتئاب كُنّ أكثر عرضة للإصابة بنوبة قلبية، وسكتة دماغية، وفشل القلب، وألم في الصدر، والرجفان الأذيني، مقارنة بالرجال الذين لديهم تاريخ من الاكتئاب.
ولا يزال الجدل قائماً بين العلماء حيال أسباب تأثر صحة القلب لدى النساء المكتئبات أكثر من الرجال، لكن في المقابل يرى الباحثون أنّ نتائج الدراسة تساعد في تطوير استراتيجيات وقائية، تعالج مخاطر الأمراض القلبية التي يواجهها مرضى الاكتئاب.
ويقول هيدهيرو كانيكو، الأستاذ المساعد في جامعة طوكيو في اليابان والمؤلف المُناظر للدراسة، إنّ “الفهم الجيد لمقدمي خدمات الرعاية الصحية سيسمح بتحسين الرعاية لكل من الرجال والنساء المصابين بالاكتئاب؛ ما يؤدي إلى تحسين نتائج الأمراض القلبية الوعائية لهؤلاء المرضى“.

تساعد الدراسة في تطوير استراتيجيات وقائية تعالج مخاطر الأمراض القلبية
عينة الدراسة
يضمّ المركز الياباني للبيانات الطبية Japan Medical Data Center (JMDC) قاعدة بيانات ضخمة، أتاحت للباحثين تقييم العلاقة بين الاكتئاب والإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، من طريق إجراء دراسة جماعية قائمة على الملاحظة بين عامي 2005 و2022.
بلغ حجم عينة البحث التي حدّدها الباحثون 4,125,720 مشاركاً استوفوا معايير الدراسة، فيما كان متوسط العمر 44 (36-52) عاماً، وكان 2,370,986 مشاركاً من الرجال. وباستخدام البروتوكولات الموحدة، تتبعت الدراسة مؤشر كتلة الجسم للمشاركين (BMI)، وضغط الدم، والقيم المختبرية للصيام في الفحص الصحي الأولي، وفي الأخير رصدت النتائج النهائية المخاطر التالية: النوبة القلبية، الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وقصور القلب، والرجفان الأذيني.
حلَّل الباحثون النتائج إحصائياً، وخلصوا إلى أنّ نسبة خطر الإصابة بالأمراض القلبية لدى مرضى الاكتئاب كانت 1.39 لدى الرجال، و1.64 لدى النساء، مقارنة بالمشاركين الذين لا يعانون الاكتئاب.

بلغ حجم عينة البحث التي حدّدها الباحثون 4,125,720 مشاركاً استوفوا معايير الدراسة
أسباب محتملة
ثمّة تفسيرات كامنة خلف هذه النتائج رجّحها الباحثون في ورقتهم البحثية، منها أن النساء قد يعانين أعراض الاكتئاب الأكثر حدة واستمراراً مقارنة بالرجال، وربما لأنهن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب خلال الفترات الحرجة من التغيرات الهرمونية، مثل الحمل أو انقطاع الطمث.
من التفسيرات الأخرى التي ساقها الباحثون في معرض حديثهم؛ قابلية المرأة أكثر لعوامل الخطر التقليدية عند إصابتها بالاكتئاب، مثل: ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة، ما قد يساهم في تطور الأمراض القلبية الوعائية.
ومن المحتمل أيضاً أن يكون من بين الأسباب الاختلافات في طريقة تقديم الرعاية الصحية والعلاج بين الرجال والنساء، والاختلافات الخاصة بالجنس في العوامل البيولوجية؛ إذ قد يكون لدى النساء عوامل وراثية تجعلهن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، وقد تؤثر الهرمونات الأنثوية على خطر الإصابة بأمراض القلب.
ويشدّد كانيكو في تصريحات صحافيّة على ضرورة اعتراف المتخصصين بالدور المهم للاكتئاب في التأثير على الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية لدى النساء، وتأكيد أهمية اتباع نهج شامل يركّز على المريض للوقاية منه وإدارته. ويشير إلى أنّ “تقييم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى مرضى الاكتئاب قد يؤدي إلى انخفاض حالات الأمراض القلبية الوعائية”.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة تحديات واجهت هذه الدراسة، تشمل عدم القدرة على إثبات السببية المباشرة بين الاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية، وعدم القدرة على عكس شدة أو مدة أعراض الاكتئاب بدقة.
كما لم يتم الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى محتملة قد تؤثر على الارتباط بين الاكتئاب والأمراض القلبية الوعائية، مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي. كما يعترف الباحثون بأنّ تأثير جائحة كورونا كان لها تأثير مربك على مجريات الدراسة.
لكن رغم ذلك، تبقى النتائج التي تقدمها الورقة البحثية جديرة بالاهتمام، وخصوصاً أنها تقدم إضافة قيمة بشأن التأثيرات السلبية التي تطال صحة النساء المصابات بالاكتئاب.