منبر العراق الحر :من المعروف أن السياسة في منطقتنا العربية تشبه عرضًا سيرياليًا، حيث يتجول القادة بين خيوط اللعبة، وكأنهم في سيرك كبير دون جَمهور حقيقي.في عالم اليوم، حيث تتنافس الدول على تثبيت هويتها ومكانتها الدولية الأكثر إثارة في هذا العرض الزحف المستميت لتوطين العِلاقة بإسرائيل. ماذا حصل؟ هل أصبحنا نعيش في كابوسٍ غريب؟ يبدو أن تهويد الشرق الأوسط أصبح المفتاح الذهبي لاستبدال دساتير النضال!
لكن، ما هي المكاسب الحقيقية لبناء عِلاقة مع كيان معروف بتاريخه الحافل بالاحتلال والقتل والدمار؟ بينما نعرف جميعًا أن الشعوب الحرة قد أدركت – بل وتدرك – بأغلبها كم يستمر القتل والفوضى على يد إسرائيل، تبقى الحكومات العربية المِطْبَعَة متوهمة بأن شعوبها راضية على هذه الاتفاقات. هل يصدق أحد أن الأنظمة التي تمثل الواجهة في صناعة السلام ستكون قادرة على إرضاء شعوبها الغاضبة؟
إن كَمّيَّة الجهل أصبحت مأساة، لدرجة أن الشرق الأوسط قد تحول من بودقة حضارية إلى ساحة قتال ومراكز فوضى. عواصم عربية عريقة، تُعزف فيها أنغام الهزال الفكري، حيث يتحول المشهد إلى مدن من العهر، في محاولات يائسة لتكون جزءًا من محور الولايات المتحدة وإسرائيل. وها هم القادة الغارقون في أحلامهم، يراهنون على عدوهم قبل صديقهم.
في زمنٍ غير بعيد، لوّح لنا المبعوث الأمريكي في لبنان، الذي كان قبل ذلك ضابطًا سابقًا في الجيش الإسرائيلي، وكأنه جالب التقدم والازدهار إلى بلاد الأرز. يبدو أنه جاء إلى بيروت بالطريقة نفسها التي يأتي بها السحرة إلى مهرجانات الأفلام، مع نَظْرَة تعبيرية تشي بالكثير من الجدية، لكنه في الأساس كان يقوم بدور لكوميديا السوداء.
فهذا الضابط السابق الذي يتجول بين الساسة اللبنانيين كأنه بطل حكايات الأساطير، يتصرف وكأن لديه المفتاح السري لحل لأزمات جميعها. أليس مضحكًا كيف يمكن لشخص كان في يوم من الأيام جزءًا من آلة عسكرية أن يطل علينا منقذ روحي للبنان؟ كما لو أن تجاربه في الميدان العسكري مؤهلة مباشرة لتحويل الساسة إلى رجال إنقاذ.
يضحك هذا الضابط على الساسة اللبنانيين، وكأنه في عرض كوميدي، مستعرضًا خططه وكأنه يوزع نصائح على المحظوظين. ولكن يظل السؤال مطروحًا: هل فعلًا يوجد أي مبعوث أو وسيط قادر على إنقاذ الوضع في لبنان طالمًا أن الانتخابات الأمريكية لم تُحسم بعد؟
ردا نتياهو اعتبر كل المبادرات التي تُطرح هي مثل الفقاعات؛ تعلو، ثم تنفجر في الهواء. نحن هنا لنمارس حقنا في الدفاع عن النفس، .
لنكن صادقين، الأوضاع في لبنان لا تتغير بناءً على توجهات ضابط سابق أو مبعوث يُنقل من بلد إلى آخر لتحقيق أجندات معينة. فبدلًا من تلك المحاولات الساذجة في حل الأزمات، ينبغي لهؤلاء الساسة أن يواجهوا المرآة، ويدركوا أنهم هم المشكلة، وليس الحل.
حيث يظهر المبعوث الأمريكي كأنه بطل خارق، لكنه في الواقع يبدو من يحاول إصلاح سيارة باستخدام سكين زبدة. بينما تتواصل المواجهات، وتتجاهل الدول أي حديث عن وقف إطلاق النار، يبدو أن إسرائيل تعتقد أن الجَنُوب اللبناني هو ملعبها الخاص – تأتي وتذهب كما تشاء!
وأين المبادرات؟ إنها مجرد مراوغات تتطلب خيالًا واسعًا لنصدق أنها ستحل شيئاً. كأننا ننتظر السوبرمان ليأتي وينقذنا، حين نعلم أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من الفوضى. فبدلًا من السلام، نستمتع بمسلسل ممتد من الوعود الفارغة والقرارات المتناقضة.
لذا، دعونا نضحك قليلًا، لأن السخرية هنا تكمن في أن يتصور أحدهم أن كلّما ما يحتاجه لبنان هو ابتسامة من مبعوث أمريكي سابق، في حين يعاني البلد من أزمات متراكمة. حتى تُحْسَم الانتخابات الأمريكية وتحديد الاتجاهات السياسية، سيظل لبنان في دوامة من الفوضى.