شغاتي الذي عشق ليل البنفسج…. نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
منذ عشرات السنين مات شغاتي موظف الخدمة في مدرستنا التي تعرف القصب ولا تعرف الطابوق ، وفيها كنا نستتر مع أحلامنا وتدفئنا الأغاني أكثر من البطانيات ، وانا اتذكر تصريحا غريب لشغاتي يقول : اغنية ليل البنفسج ،جعلتني انسى شفغي بصوت داخل ومسعوده العمارتلي.
كنت اتعجب ،وانا اعرف ان شغاتي لم يمسك زهرة بنفسج في حياته ،ولم يشم وردة ، وكان يقول : انه كلما شم رائحة التمن في خبز الطابك تخيله وردا ، وقد استفدت من عبارته تلك حين تخيلت في احدى قصصي بأن الرز بالنسبة للجياع وردا في حدائق البطون .
دخلت اغنية ليل البنفسج شهية المذياع وانتشرت سريعا بين رغبة المعلمين بالسماع ، ومرات تبث كل يوم ومرات يمنعونها لاكثر من اشهر بسبب المواقف السياسية لكاتبها إلا أننا حفظنها ،ومعنا حفظها شغاتي وسُجلت على اشرطة الكاسيت فكانت نشيدا ليلياً لاحلامنا حتى زاحمت متعة السماع فينا لاغنية السيدة أم كلثوم ( انا في انتظارك ).
عشق شغاتي ليل البنفسج ، وكان يحسها قريبة من شاب يعود اليه ، وكنا نستغرب لأن كلماتها بمضومنها لاتمس شيئا من حياته إلا أنه جلبها اليه ،واغرب ما قاله : ان هذه الاغنية لتصلح ايضا لتعليم الجواميس الرقص وهي تتخيل ان الاهوار حدائقا للبنفسج .
كنا نتعجب من سريالية هذا التفكير ،وبعضنا يقترب منه ليشرح له أن ليل البنفسج اغنية لغرام المدن وليس لغرام الاهوار .
فيعرف القصد ويرد بذكائه الفطري الغريب : لايختلف قلب ابن الهور عن قلب ابن الناصرية وابن فرنسا .
نضحك ،ونعلن جميعا أن شغاتي هو اكثرنا وعيا بعالم البنفسج واغانيه .
فيرد خجولا :تمنحوني ما يمنح العاشقين لعطر البنفسج . وعلي أن اضع ياس خضر جنبا الى جنب مع مسعودة وخضير مفطورة وناصر حكيم .
ضحكت من نباهته وقد علمناه من سنوات القراءة والكتابة وقلت وسأضعه انا جنبا الى جنب مع عبد الحليم وشارل ازنافور .
فيرد : الاول سامع بي .بس الثاني ازنافور هل هو طيرا من الطيور .
قلت نعم : حمامة من حمامات باريس.
الآن بعد سنوات من موت شغاتي ،وانطفاء الكثر من شموع الذكريات والهجرات وخنادق الحروب وبطاقات التموين ، اتذكر الراحل شغاتي مع دمعة ياس خضر في نعشه ، واتخيل تلك المتعة الاسطورية التي كتبها سمفونية الكلمات الشاعر مظفر النواب ولحنها بأناقة طالب القرغولي ، فتهطل دمعة حنين الى صباحات قرية أم شعثة وتلك الصورة الرومانسية التي لااعرف سرها ، حين كنت اشاهد شغاتي في تلك المساءات الحنينة وهو يعدل بعقاله حين يسمع اغنية ليل البنفسج .
وعندما نسأله عن السبب ؟
يقول :لأنني أتذكر ليلة عرسي.

اترك رد