منبر العراق الحر :
لا تقوم على الإيغال في الماضي والانتقام والثأر والتشفّي
ولا تقوم على الاستعجال والتصيّد والاصطياد والتهويل وإطلاق الأحكام المسبقة
ولا تقوم على شيطنة البديل كما لا تقوم على تقديسه
ولا تقوم على الأمنيات والشعارات الكبيرة كمثل تكبير الحجر
بل يلزمها تضافر الجهود والتعاون والتعقل والتضحية والتهدئة لتأسيس عقلية أخلاقية جديدة تنطلق من الحرص على تأمين حياة الناس بتأمين مقومات الحياة الأولى والخدمات العامة بحيث تبني الثقة بين أبناء المجتمع وبينهم وبين الدولة…
عقلية أخلاقية جديدة تطلب من الإدارة المعنية الانفتاح والتضحية وسعة الصدر وسعة الاطلاع والقدرة على احتواء الأخطاء وتجاوزها لما هو أفضل وهي تتحمل المسؤولية الأكبر…
عقلية أخلاقية جديدة تتأسس في المجتمع على احترام الآخر المختلف بالرأي والعرق والدين واحترام القانون الذي يجب أن يُبنى على الحرية والواجب والنظام…
كل ذلك لا يتم دون الانطلاق من فكرة مركزية تعتمد سلوكا ونهجا وثقافة سوريا لجميع السوريين…
معركة بناء الدولة الجديدة:
لا تقوم على التراشق اللفظي بالمصطلحات والشعارات واشهارها في وجوه بعضنا للإحراج والتشويش والإغراق في حروب التعاريف والتجاذبات الإيديولوجية التي تفضي إلى تحويل المصطلحات والشعارات إلى أقنعة تختبئ خلفها جماعات تستثمرها لغايات سلطوية خاصة بها…
فالدولة في كل تجارب الأمم وفي كل النظريات السياسية بمعناها العميق هي مؤسسة الشعب الكبرى ومعيارها القيمي بما تنطوي عليه من حقوق وبما يحمي هذه الحقوق من قانون ترعيه وتحميه سلطة قضائية مستقلة من ضمن نظام سياسي يتأسس على عقد اجتماعي يجسد شراكة وطنية…
الدولة الصالحة للبقاء ذات النظام السياسي المرن القابل دائما للتطوير والتحديث والإصلاح هي التي تقوم على تأمين قيمتين الحرية والعدالة من خلال وظيفتين جليلتين:
الوظيفة الأولى حماية وحدة المجتمع:
ولا تتم إلا بتأمين عدالة اقتصادية حقوقية من خلال نظام اقتصادي بتوزيع عادل للثروة وعدالة اجتماعية حقوقية من خلال نظام سياسي يعتمد الكفاءة في مؤسسات الإدارة للدولة وحسم هويتها الوطنية التي تنبثق من رابطة الاشتراك بالحياة التي تؤسس لشراكة كاملة في مؤسسات السلطة والإدارة ولا تكون فيها السلطة وكالة حصرية لدين أو طائفة أو عرق أو لغة أو حزب أو عائلة أي لا هوية جماعة ما لها بل هوية الوطن هوية المتحد الاجتماعي الذي يحتضن كل المكونات والجماعات والذي يتصف بالتجانس التنوعي وليس بالتطابق الديني أو الحزبي أو العرقي أو اللغوي الذي ينتتج كل أشكال الاستبداد ويؤدي إلى انفجار المجتمع وشرذمته…
الوظيفة الثانية حماية حيوية المجتمع:
بتأمين حقوق الأفراد- المواطنين الشخصية والمدنية والسياسية أي حقوق الحريات التي تفتح الآفاق لتطور وحراك وصراع الأفكار من أجل بناء مستقبل أفضل متطور مع تطور العلم وذلك…
الوظيفة الأولى هي الأساس التعبيري الوطني للدولة
والوظيفة الثانية هي الأساس التعبيري الإنساني
هذان الأساسان تقوم كل الدول عليهما ولا يتم الاستفتاء والانتخاب عليهما فهما في صميم وجود ومصلحة كل مجتمع ودولة تريد النهوض والارتقاء
وعلى كل سلطة تحكم حماية هذين الأساسين في الدستور…
أما فيما يعني الصراع على السلطة في الدولة يتم تأمينه من خلال مؤسسات ديمقراطية تتبنى التمثيل من خلال الانتخابات وليس بالانقلاب والصراع الدموي لما يسببه من دمار للدولة والمجتمع وهذا يتم من خلال تنظيم العلاقات بين السلطات الأربعة وفصلها واستقلاليتها…
هذا هو المضمون والمعنى القيمي الحضاري لأي دولة حديثة يكتب لها النهوض والارتقاء بمجتمعها…
لا يمكن لدولة تكون حقوق الهوية الوطنية قائمة على دين ما أو عرق ما أو لغة ما أن تكون عادلة مهما ادعت وهذا ما يدفع المجتمع الى الانفجار ويدفع الجماعات المبعدة الى الانفصال والتقسيم…
الطريق لبلوغ ذلك يلزمه حريات وحراك فكري ثقافي وحوارات ومؤتمرات لإنضاج وعي وطني سياسي لتأسيس عقد اجتماعي يتضمن ذلك…
هل هناك فرصة تاريخية لنقيم الدولة الوطنية الجديدة على العدالة والحرية…
الفرصة التاريخية تكون بتلاقي المصلحة الإقليمية والعربية والدولية مع المصلحة الوطنية بالإضافة لتوفر قيادة تاريخية تعي وتقتنص وتعمل لترجمة هذه الفرصة التاريخية…
المصلحة الوطنية هي أن ننجز وحدة السوريين ونبني دولة قوية لهم ولا يكون ذلك من دون تحقيق قيمتي العدالة والحرية…
هذه المصلحة لا تتحقق ببناء دولة هويتها إسلامية فأسلمة الدولة في مجتمع متنوع كالمجتمع السوري سيؤدي كما الاستبداد إلى انفجاره بحروب أهلية أو الى انفصال بعض المكونات…
وهذا يضر بالأمن القومي وخاصة التركي كما يضر بالأمن العربي والأمن الأوروبي ولا يريح إلا اسرا- ئيل…
أمام الإسلام السياسي السوري السني نموذجين بجواره التركي العلماني والسعودي الناهض باتجاه الانفتاح والخروج من الوهابية الثقافية ومحاربة الوهابية السياسية…
والنموذج الأفغاني أو ما شابهه وهذا سيتم محاربته وخنقه ولن يرتاح له إلا نموذج ولاية الفقيه الذي يعطيه الأكسجين باستثمار الشيعية السياسية…
ما قدّمه السيد أحمد الشرع في مقابلته يشي بأنه يعي هذه الفرصة التاريخية بالنهوض بسوريا عبر نموذج حضاري سياسي موحد غير ديني وغير طائفي خاصة أنه رفض المحاصصة الطائفية والفيدرالية على أساس الطوائف وهذا مهم جدا…
المستقبل رهن بنا جميعا باشتراكنا بالحراك الثقافي والسياسي مع تطلعنا لقيادة تاريخية من المبكر أن نقول أنها تتجسد في السيد أحمد الشرع الذي بدى أنه يبني على التقاء المصلحة الإقليمية والعربية والوطنية حبث الثقة تتأسس على الخطوات التالية التي يتم اتخاذها…
المسيرة محفوفة بالمخاطر والنكوص والسقوط وهذا ما لا نتمناه لشعب عانى الكثير…
==
المفكر الاديب والشاعر قيس جرجس
