منبر العراق الحر:
من النكات الشعبية ذات المغزى التي أحفظها عن ظهر قلب نكتة ” الافيال التي يممت وجهها يوما شطر البحيرة لغرض السباحة والنظافة والاستجمام ، وكان على ضفاف البحيرة أسراب من النمل وما أن وقع بصر النمل على قطيع الفيلة بأجسادها الضخمة المرعبة حتى قالت ملكة النمل وبعد أن وضعت المنشفة على كتفها- قوموا اخواني وأخواتي ..صارت مزعطة !!”.
رباط السالفة أن جل المجتمع العراقي اليوم إلا ما رحم ربك بمنظريه ومفكريه وساسته وعوامه وخواصه مع شديد الأسف يعيش في لا أقول بالتاريخ ،وإنما بالجانب المظلم والمشكل والمضطرب حصرا من التاريخ، ومعظمهم لا يريد أن يغادره قط وكأنه قد وجد في هذا الجانب المشوش من التاريخ ضالته لتسقيط غرمائه وخصومه من المذاهب والطوائف والقوميات والديانات بل وحتى الأحزاب السياسية المنافسة صباح مساء !
ساعة كاملة وأنا أتجول بين المنصات والصفحات على الفيس وبقية الشلة بما فيها صفحات متخصصين ومفكرين ومثقفين واكاديميين وإذا بهم جميعا إذا نصحوا نصحوا بالتاريخ ..واذا وعظوا وعظوا بالتاريخ ..وإذا شتموا شتموا بالتاريخ ..وإذا جادلوا وناقشوا ، جادلوا وناقشوا بالتاريخ ، وإذا أرادوا حل معضلة آنية سافروا الى التاريخ ليجدوا لها حلا ، وإذا أرادوا توضيح مسألة شائكة مستقبلية ركبوا قطار التاريخ لعلهم يجدوا فيه ما يسعفهم، وإذا أرادوا أن يقتتلوا فيما بينهم استعانوا بالتاريخ ايضا، وإذا أرادوا أن ينتخبوا دم ..قراطيا ركبوا سفن التاريخ ليمخروا عباب بحر لجي وسط أمواج متلاطمة مالها من قرار وما من أخطارها سبيل للفرار ، وليتهم ذهبوا الى الجانب المشرق ..الزاهر …العامر ..المضيء من هذا التاريخ ، إنهم لايبحثون وكحاطب ليل إلا في الجانب المظلم والمعتم والمشوش والمختلف عليه والمتقاتل فيه من التاريخ ، مدلهم الخطوب ، مؤلب القلوب ، مؤجج الحروب ، مختلف ومتقاطع الدروب ، كثير الندوب، حتى ظن الناس وتوهموا خطأ بأن” الدين هو التاريخ ، وأن التاريخ هو الدين” وأن أية محاولة للفصل بينهما ستعد بمثابة فسق وفجور يستوجب تعزير صاحبها لأنه قد خالف الاجماع وخرج من الملة، وأخال بأن أجيالا قادمة ولكثرة ما سطحت واستحمرت وخدرت بأفيون الجانب المظلم من التاريخ – ونصفه كذب وافتراء وادعاء – وبما فاض وزيادة ، ستكفر بل وستهدر دماء كل من سيشكك ببعض أحداث التاريخ أو ينكرها أو يحاول تصحيح بعض تفسيراتها ومفاهيمها الخاطئة، ستفسق وتبدع وتضلل كل من يحاول أن يوضح مشكلها ، يفصل مجملها ، يخصص عامها ، يقيد مطلقها، يبين زيفها ، يطهر زورها ، يحيد بهتانها ، وكأننا مجرد نكرات وامعات ورويبضات لاقيمة لنا ولسنا جزءا من هذا التاريخ مع أننا نموت ونفقر ونقهر ونقصى ونهمش وعلى مدار الساعة بسببه ، وكأنهم لم يفهموا ماضيهم ولم يستجلوا حاضرهم ولم يستشرفوا مستقبلهم يوما البتة ، وإن كنت أعجب فعجبي من كتاب ومؤلفين ومفكرين ومثقفين المفترض بأن بحثهم الدؤوب الطويل ، ودراستهم وتدريسهم الأطول قد اكسبتهم من الخبرة في التربية والدعوة والتعليم والارشاد ما يجعلهم يتفردون ببعض الآراء والأفكار والطروحات وقول فضلا على كتابة وابتكار ما لم يسبقهم أحد الى قوله وكتابته وابتكاره وطرحه فيما سبق ..واذا بهم لا يتفوهون ولا يكتبون ولاينطقون بكلمة ولا بحرف واحد الا نقلا عن كتب التاريخ وبالنص ،بغثها وسمينها ، بخطئها وصوابها ، بعمدها وسهوها ، اقتباس مما سبق وأن ألفه وقعده ونظره ونظمه من سبقهم تحديدا، ما جعلني أتساءل هل ياترى حقا بأنهم هم من ألف ما تصدرت اسماؤهم أغلفته ؟ أم أنها ومن ألفها الى يائها مجرد – كوبي بيست – نقلا عن كتب الأقدمين فقط لا غير .. أيعقل هذا …؟! علما بأن من يعيد قراءة التاريخ في كل مرحلة عمرية ، سيكتشف بأن بعض ما أرضعه ولقنه نوستالجيا مجرد أساطير وأكاذيب وخرافات وشائعات لا أساس لها من الصحة كان قد اخترعها وألفها – لظروف وتوجيهات وبأوامر سياسية بحتة – أقوام لتسقيط أقوام سبقتهم سادوا ثم بادوا ، والتاريخ يكتبه على الدوام الصائل المتمكن الأقوى ، من دون أن يدافع عن نفسه الزائل المتمسكن الأضعف ، وكل من ينجح بتسويق مدوناته على حساب مدونات الآخر فيستحيل كل ما دونه تاريخا وكل من يخالفه وإن كان مع الحق المبين ، سيعد مجرد افتراء وكذب ومحاولة خائبة لتزوير التاريخ .
كلامي الآنف يشمل المعارضات بقياداتها “الجبرية الوراثية العضوض” أسوة بالحكام على سواء ، فليس الحكام وحدهم من يمارس الجبر والتوريث ليعضوا على أصل كراسي الحكم بأسنانهم ويتعلقون بأستارها وينشبوا بقوائمها ومقاعدها الوثيرة أظافرهم ، قادة المعارضات التاريخية فعلت وتفعل ذلك ايضا على مر التاريخ ومنهم من وصل الى سدة الحكم فصار ألعن وأظلم وأغشم من سلفه،ولا أستثني إلا النزر اليسير ومن كلا الطرفين ..مدارس فقهية وأصولية وحديثية معتبرة قد اندرست واندثرت – لتظل الشائعة المثارة تدور حول طلبة علم لم يكملوا مسيرة مشايخهم من بعدهم – بينما الحقيقة الصادمة هي أن مؤسسي هذه المدارس إما أنهم كانوا قريبين من الحكام ما دفع الناس لهجر كتبهم وترك مدارسهم ليبتعدوا عنها ما أسفر عن اندراسها واضمحلالها ، وإما لأنهم كانوا شديدي البعد ومن معارضي الحكام ممن أمروا بطمس مدارسهم وحرق كتبهم ومطاردة تلاميذهم حتى بعد أن انفضوا عنهم ما ادى الى اندراس هذه المدارس المعتبرة …ولا أريد أن أذكر الأسماء هاهنا مع تحديد مدى قرب كل منهم أو بعده عن الحاكم وبما له شواهد معاصرة ولكلا الطرفين عديدة !
لقد وصل الحال بالمزاج العام المدمن على اجترار المظلم من التاريخ فحسب ، وحين كتبت عن بعض المعالم التراثية والأثرية ذات التاريخ العريق المشرف في بغداد لتعريف الناس بماضيها الزاهر الزاخر العامر بمناسبة اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية 2025 ، أن تساءل بعض المثقفين وبنفس لايخلو من المحاصصة والطائفية المقيتة ” عود ليش ما كتبت عن المعلم الفلاني أو عن الاثر التاريخي العلاني …ها …صاير مثل ذولاك ؟!”فهناك من المثقفين من يريدك حتى عند الكتابة عن التاريخ المشرق والمشرف أن تغلفه ببعض المحاصصة والطائفية النتنة نكاية بالطوائف والمكونات الاخرى ،ولست بالخب ولا الخب يخدعني ولاسيما فيما تخطه يميني وأكتب ولو بعكس التيار السائد ولسان حالي فضلا على مقالي يردد ” رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين”،وأقول للجميع “لم ولن أكتب يوما عن مَعلَمٍ مشرق لأسرق وأصادر وأواري شعاعه المنير بنفس طائفي مقيت ما حييت ، إن كنتم تفعلون ذلك فلست ممن أفعله ولو فقدت عملي ومصدر رزقي ” فأنا أكتب فقط لتتفاخر الأجيال الواعدة بتاريخها العامر ،وبماضيها التليد الزاهر الذي يحاول المستشرقون والمستعربون والشعوبيون طمسه وتشويهه لتتنكر الأجيال له وتستنكره تمهيدا لفصلهم عن الجذور ليصبحوا كريشة في مهب ريح التغريب لا جذور ولا أصول لهم قط ليسهل اقتناصهم واصطيادهم بسهولة وهذا هو الواقع حاليا ، ولم أكتب يوما ما يخالف قناعاتي لأرضي رئاسات المؤسسات الإعلامية التي أعمل فيها وبعضها خارج الحدود ، وشعاري هو ” طز بأجندات وبروباغندات المؤسسات الإعلامية أيا كانت ، ومرحبا بقناعاتي الشخصية التي تحاول جاهدة فهم والاقتراب من الحقيقة فقط لا غير” وتأسيسا على ذلك فلن أكتب يوما عن معالمنا و آثارنا لأنقل لجيل زد وألفا غثاء وشرار وفايروسات وجراثيم وطفيليات وبكتريا أحقادكم وطائفياتكم ولا جائحات مؤسساتكم الاعلامية والثقافية الغارقة بمستنقعات الطائفية قط بذريعة أن المؤسسة التي أعمل فيها تريد ذلك ، وإذا ما كنا قد وقعنا في الفخ الاستشراقي المخادع وصنوه الشعوبي الحاقد ماضيا، فلن أسمح لنفسي بتضليل الأجيال القادمة لتقع بما وقعنا فيه مطلقا .اودعناكم أغاتي
