منبر العراق الحر :
في عالمنا العظيم هذا، يقف المتنوّرون والظلاميّون على طرفَي نقيض، وكأنّهم فريقا كرة قدم في مباراة أزلية، العالم كلّه ملعبهم، يحمل المتنوّرون قناديلهم، يدّعون أنه مُناط بهم إضاءة العالم، بينما يصرّ الظلاميّون على أن العتمة رومانسية، ولا تحتاج إلى تعديل.
المتنوّر، يجهل من أطلق عليه ذلك اللقب، لكنّه موقن أنه سقراط عصره، يتحدّث عن العلم والتقدّم وكأنّ العالم سيقف على قدميه بمجرّد أن ينطق. تراهم يعقدون المؤتمرات، يتجادلون في “الكوانتم”، ويؤكّدون أنّ المستقبل هو الذكاء الاصطناعي. لكن في الحقيقة، معظمهم ينسى أن يخرج القمامة من بيته، وأنّ العالم الحقيقي لا ينتظر حِكمهم، بل فاتورة الكهرباء.
أمّا الظّلامي، أيضًا لا يدري من وصمه بهذا الوصف، لكنّه يستعذب العيش بالماضي بكل ما أوتي من إرادة، ويرى أن أفضل الأيام على الإطلاق عندما كانت الشموع تضيء البيوت، ويؤمن أنّ النقاشات حول الأرض المسطّحة أعمق من كلّ ما توصّل إليه أينشتاين. يرفض التكنولوجيا لكنه لا ينسى تصوير منشوراته على هاتفه الذكي ليحذّر الناس من مخاطر التطوّر!.
المشكلة أن الاثنين يشتركان في شيء واحد: الصراخ. المتنوّر يصيح متّهمًا الظلامي بالتخلّف، والظّلامي يزعق أنّ المتنوّر مرتد.
وبين هذا وذاك، يراقب العالم المشهد بصمت، متسائلًا: “هل هناك أمل في أن نعيش يومًا ما بهدوء، بعيدًا عن هذا التلوّث السمعي ؟”
عنّي شخصيًّا، لن أصفق لأيّ منهما، مهما امتدّت مباراة الردح بينهما، ومهما كانت النتيجة، فأذني مصابة بصمم نفسي، وعقلي مصاب بفرط انفعال انعكاسي، يرغمني على الضحك الهستيري من تفاهة ما أشهد!
الأول يظنّ أنّ النور وحده يكفي لإنقاذ البشرية، والثاني يعتقد أنّ الظلام هو الحلّ لكلّ أزماتنا. وبين هذا النور وتلك العتمة، هناك منطقة رمادية تتجاهلها الأطراف، حيث تعيش البساطة والوسطية والحكمة الحقيقية التي ربّما لن يصل إليها أيّ منهما.
ربّما يكمن الحلّ بجمعهم في غرفة واحدة، وتركهم يتجادلون ويتصايحون ويتصارعون حتى يُنهكوا، على الأقل، نكتشف ما إذا كان بالإمكان أن يولّد صراعهم الأبديّ هذا كهرباء مجّانية!.
#دعبيرخالديحيي
#كفّوا_صراخكم_عنّا
