منبر العراق الحر :
في الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية على حد سواء، نادراً ما يكون الزعيم السياسي هو صاحب القرار المطلق داخل حزبه. فرغم الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام للجماهير، والتي تُظهر القائد كصاحب رؤية ومشروع، إلا أن الواقع السياسي أكثر تعقيدًا. فالسلطة الفعلية غالبًا ما تكون في يد “اللوبيات الحزبية”، وهي مجموعات من النخب السياسية والاقتصادية التي تتحكم في القرارات الاستراتيجية للحزب، وأحيانًا في مسار الدولة بأكملها.
هذه اللوبيات لا تعمل بشكل علني، بل تتحرك في الظل، مستخدمة نفوذها وعلاقاتها لفرض سياسات معينة تخدم مصالحها الخاصة. وغالباً ما تتشكل من رجال أعمال وقادة عسكريين متقاعدين وزعماء نقابات ورؤساء قبائل أو حتى شخصيات نافذة داخل الحزب، ممن يملكون القدرة على التأثير في التمويل والترشيحات، والتحالفات. والنتيجة هي أن الزعيم، مهما بلغت كاريزميته أو قوته الخطابية، قد يتحول إلى مجرد رمز سياسي تتحرك من خلفه هذه القوى، ترسم له حدود قراراته وتحدد أولوياته.
الزعيم بين القوة والقيود
الزعيم السياسي الذي يجد نفسه محاطاً بلوبيات قوية أمامه خياران: إما أن يخضع لهذه التوازنات ويحاول المناورة داخلها، أو أن يخوض معركة داخلية محفوفة بالمخاطر لتفكيكها وإعادة هيكلة السلطة داخل حزبه. لكن غالباً ما يكون الخيار الثاني مكلفاً ، وقد ينتهي بإسقاطه سياسياً ، أو على الأقل بإضعاف نفوذه.
في بعض الحالات، تصبح الأحزاب مجرد أدوات بيد هذه اللوبيات، حيث تتحكم في ترشيحات الانتخابات و توزيع المناصب، وحتى في رسم الخطاب السياسي للحزب. ونتيجة لذلك، يتم إفراغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي، إذ يصبح الناخبون مجرد شهود على لعبة تدار خلف الكواليس، لا يؤثرون فعلياً في مراكز اتخاذ القرار.
اللوبيات بين الضرورة والخطر
لا يمكن إنكار أن اللوبيات الحزبية ليست دائماً عاملًا سلبياً. ففي بعض الأحيان، تكون ضرورية لتحقيق استقرار الحزب وضمان استمرارية سياساته. لكن عندما تتحول إلى قوة معرقلة لأي إصلاح أو تغيير، فإنها تصبح عائقاً حقيقياً أمام الديمقراطية الداخلية للحزب، بل وأمام إرادة الناخبين.
والسؤال الأساسي هنا: هل يستطيع أي زعيم سياسي التحرر تماماً من هذه اللوبيات؟
أم أن اللعبة السياسية الحديثة تفرض عليه الخضوع لمعادلاتها حتى يتمكن من البقاء في السلطة؟
الإجابة ليست بسيطة، لكنها توضح حقيقة أساسية: في السياسة، القوة الحقيقية ليست دائماً في العلن، بل غالباً ما تكمن في دهاليز النفوذ، حيث تُصنع القرارات الحقيقية بعيداً عن الأضواء.
كاتب سياسي