منبر العراق الحر :
في ظل التطورات السياسية والعسكرية الخطيرة التي أعقبت أحداث 7 أكتوبر في فلسطين، برز دور محور المقاومة الشيعي في المنطقة، وهو دور يشبه إلى حد كبير اللعب بالنار… ؛ وهذه التطورات أدت إلى تغيير جذري في موازين القوى، حيث تشكلت جبهة عالمية، أو على الأقل غربية، تهدف إلى مواجهة محور المقاومة وتقليص نفوذه والقضاء عليه بأي ثمن.
نتيجة لذلك، سيتحمل الشيعة، بكل فئاتهم – البر والفاجر، الموحد والملحد، الإسلامي والعلماني – تبعات هذه المواجهة، مما سيؤدي إلى مزيد من التقسيم والتشتت في مجتمعاتهم، خاصة في العراق وإيران… ؛ وهذا الوضع سيكون فوق طاقتهم، خاصة في ظل الظروف الحالية.
موقف الشيعة، كمجموعة اجتماعية، من القضية الفلسطينية ومناهضة القوى الدولية، يختلف اختلافًا جذريًا داخليًا , فهم مختلفون فيما بينهم تجاه هذه القضية والكثير من القضايا الاخرى … ؛ والأغلبية منهم تتبنى فكرة “التقية”، وهي مفهوم شيعي قديم يدعو إلى الحذر والتحفظ في مواجهة الطغاة والجبابرة، وذلك لحماية أرواح وأموال وأعراض المؤمنين الضعفاء من بطش الأعداء الأقوياء… ؛ لذلك، هم بعيدون عن الدعوة إلى المواجهة المسلحة مع الصهاينة أو القوى الدولية الكبرى… ؛ ومع أنهم يتألمون لحال الفلسطينيين كغيرهم من المسلمين، إلا أنهم يقتصرون على الدعاء والتعاطف الإنساني.
في المقابل، هناك أقلية شيعية ترى أن دعم القضية الفلسطينية هو عمل ساذج وحماقة منقطعة النظير ، لأنهم يعتبرون الفلسطينيين – في غالبيتهم – نواصب وحاقدين على الشيعة، بل إنهم يؤيدون شخصيات مثل صدام الذي كان معاديًا للشيعة… ؛ ويستدلون على ذلك بأحداث تاريخية، مثل العمليات الانتحارية التي استهدفت الشيعة في العراق، والتي يفوق عددها تلك التي استهدفت الصهاينة منذ بداية الاحتلال… ؛ ويعتقدون أن القضية الفلسطينية هي قضية داخلية بين الفلسطينيين واليهود، وأنها سبب رئيسي في معاناة الدول والشعوب العربية والمنطقة ، بما فيهم الشيعة.
من ناحية أخرى، هناك فئة قليلة من الشيعة، وهم أتباع ولاية الفقيه والحركات المرتبطة بإيران، و الذين يؤمنون بضرورة دعم القضية الفلسطينية عسكريًا وسياسيًا، ويدعون إلى مواجهة مسلحة مع الصهاينة والأمريكان.
أما الجماهير الشيعية العلمانية وغير الإسلامية، فهي بعيدة كل البعد عن هذا المحور، ولا تتبنى شعاراته أو سياساته تجاه القضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا المصيرية، بل تختلف معه اختلافًا كبيرًا.
باختصار، الشيعة بشكل عام سيدفعون الثمن الباهظ لقرارات وتحركات محور المقاومة وأتباع ولاية الفقيه، لأنهم جميعًا في مركب واحد، والأعداء لن يتوانوا عن استغلال أي فرصة لتحقيق مصالحهم وإضعاف الشيعة كقوة عقائدية وسياسية.
الوضع العراقي:
أما فيما يخص الوضع العراقي، فهو أكثر خطورة لأسباب عديدة… ؛ فالشيعة في إيران يتمتعون بمزيد من الأمن والاستقرار مقارنة بشيعة العراق، وذلك لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية وجغرافية… ؛ والشيعة العراقيون يعيشون على كف عفريت، كما يقول المثل المصري، خاصة أن المحيط الإقليمي والدول المجاورة، بما فيها الدول العربية والإسلامية، تعارض الحكم الشيعي والتجربة الديمقراطية في العراق، باستثناء إيران.
العراقي الشيعي اليوم في وضع لا يحسد عليه، فهو محاصر بين المطرقة والسندان… ؛ فالصراع الإيراني الأمريكي انعكس سلبًا عليه، وإذا تخلى العراقي والسياسي الشيعي عن احد الحليفين فضلا عن كليهما ، سيكون ضحية للأعداء الذين يتربصون به الدوائر , وينتظرون سقوطه بفارغ الصبر.
وعليه أمام العراقي الشيعي ثلاثة خيارات :
1. الانقلاب على الإيرانيين والتحالف مع أعدائهم، وهو خيار انتحاري لأنه يعني التضحية بحليف قوي , والتعاون مع اعداءه على حليفه ونفسه فيما بعد .
2. الانقلاب على الأمريكان والتحالف مع الإيرانيين، وهو خيار غير حكيم لأن الأمريكان هم من أوصل الشيعة إلى السلطة , وبيدهم مقاليد الامور , ولعلهم الحليف الدولي الوحيد للأغلبية العراقية , فلولا القرار التاريخي والانساني للرئيس الامريكي السابق بوش , لاستمرت المجازر والجرائم والمقابر الجماعية والاجراءات الطائفية والتمييز العنصري بحق الاغلبية العراقية الى هذا اليوم .
3. التوسط بين الإيرانيين والأمريكان لتهدئة الأوضاع، وهو الخيار الأفضل، وإن كان صعب التحقيق ؛ فهو مرهون بقبول الطرفين , وان رفضه من احدهما يؤدي الى فشل هذا الخيار .
4- على الشيعي العراقي التزام الحياد ازاء الحرب الامريكية الايرانية المرتقبة , والوقوف على التل , لان دخوله فيها لا يغير من الواقع , بل سيزيد عدد الخسائر والضحايا فحسب …, بالإضافة الى ضرورة عقد الاتفاقيات الاستراتيجية مع الامريكان , للحفاظ على التجربة الديمقراطية والنهوض بالعراق , وحماية الاغلبية والامة العراقية من نيران الصراعات الطائفية في المنطقة , ومؤامرات الانظمة العربية , والاحقاد التركية , والتهديدات الاسرائيلية .
في النهاية، السياسة هي فن الممكن، وعلى السياسي الشيعي العراقي أن يتعامل مع الواقع كما هو، خاصة أنه الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية والدولية .