منبر العراق الحر :
في تحول جذري في السياسة التجارية العالمية، أعلن يوم الاربعاء المصادف 2 ابريل/ نيسان 2025 الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوصفه بـ”يوم التحرير”، كاشفاً عن دخول الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة حيز التنفيذ. هذا القرار، الذي يُنتظر أن يغيّر ملامح الاقتصاد العالمي، لم يأتِ فجأة بل كان نتيجة مسار طويل من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من الشركاء التجاريين، وصولاً إلى ما يمكن تسميته بـ”حرب تجارية شاملة”.
رسوم جمركية قد تصل إلى 50% على بعض المنتجات، خصوصاً السيارات وقطع الغيار، ومن المتوقع أن تدرّ على الخزينة الأميركية نحو 6 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات، حسب تقديرات إدارة ترامب. فهل نحن أمام ولادة نظام تجاري عالمي جديد تقوده أميركا وفق شروطها؟ أم بداية فوضى اقتصادية ستدفع ثمنها كل دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها؟
*أولاً: رؤية ترامب للاقتصاد العالمي*
ترامب يرى أن أميركا، رغم كونها القوة الاقتصادية الأولى في العالم، كانت ضحية لسياسات تجارية غير عادلة لعدة عقود. من وجهة نظره، الدول الأخرى استغلت انفتاح السوق الأميركية لتحقيق مكاسب على حساب العامل الأميركي والصناعة المحلية.
يقول ترامب: “سنبدأ بجميع البلدان… لتحرير الأمة من العلاقات التجارية السابقة”. هذا الإعلان لا يستهدف فقط دولاً بعينها، بل يمثل توجهاً عاماً لإعادة صياغة العلاقات التجارية العالمية، بحيث تدور في فلك المصالح الاقتصادية الأميركية أولاً.
*ثانياً: خطة فرض الرسوم*
تعتمد الخطة الجمركية التي أعدها ترامب على سلسلة من التحقيقات التجارية التي بدأها منذ يومه الأول في البيت الأبيض. هذه التحقيقات شملت تقييم العلاقات مع عشرات الدول، وخلصت إلى أن واشنطن تواجه ضرائب ورسوم غير عادلة مقارنة بشركائها.
بناء على هذه النتائج، بدأت الإدارة الأميركية بتطبيق رسوم جمركية جديدة بشكل انتقائي، مع تهديد باللجوء إلى قوانين الطوارئ أو المادة 338 من قانون الجمارك لعام 1930، والتي تتيح فرض رسوم تصل إلى 50% على بعض السلع المستوردة.
*ثالثاً: قطاع السيارات في مرمى النيران*
أحد أكبر القطاعات المتضررة سيكون قطاع السيارات. التعريفة المقترحة البالغة 25% قد ترفع سعر السيارة الواحدة بمقدار يتراوح بين 5,000 و10,000 دولار، مما سيتسبب بتأثير مباشر على المستهلك الأميركي وسلاسل التوريد العالمية.
الولايات المتحدة تستورد سيارات وشاحنات خفيفة بقيمة تجاوزت 243 مليار دولار في عام 2024، من دول مثل المكسيك (79 مليار دولار)، اليابان (40 ملياراً) وكوريا الجنوبية، وكندا، وألمانيا، وسواها. هذه الرسوم ستؤثر على هذه الدول بشكل كبير، وقد تدفعها إلى اتخاذ إجراءات انتقامية.
*رابعاً: ردود الفعل الدولية*
مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه المضي قدماً في فرض الرسوم الجمركية، توالت ردود أفعال دولية على مستويات متعددة، عاكسةً حالة من القلق والانقسام في المواقف الدولية.
برزت على الساحة الدولية تصريحات لمسؤولين بارزين، حيث وصف *تشاك شومر*، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، الرسوم الجمركية بأنها “*أغبى قرار في التاريخ*”، في تعبير صارخ عن رفض داخلي لهذه السياسة. أما *كريستالينا جورجيفا*، مديرة صندوق النقد الدولي، فقد حذّرت من “*خطر كبير يهدد الاقتصاد العالمي*”، داعيةً إلى تجنّب أي خطوات من شأنها تفاقم الوضع الاقتصادي الدولي.
وعلى المستوى الأوروبي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى *تعليق الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة* إلى حين اتضاح تداعيات هذه الإجراءات، مؤكدًا على ضرورة *إظهار تضامن أوروبي موحّد* في مواجهة هذا التصعيد.
أما *كندا*، فقد ردّت بإجراءات مماثلة، معلنة فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة من الولايات المتحدة. واعتبر رئيس الوزراء الكندي هذه الخطوة “*رداً بالمثل*” يعكس رفض بلاده للنهج الأحادي الأمريكي.
في المقابل، اختارت *المكسيك* نهجاً أكثر هدوءاً وبراغماتية، حيث نجحت في بناء قناة تفاهم مع فريق ترامب التجاري. وأعلنت وزارة الاقتصاد المكسيكية عن اجتماع مرتقب مع المسؤولين الأمريكيين لبحث الرسوم المفروضة على منتجات رئيسية مثل السيارات والصلب والألومنيوم، في محاولة لاحتواء التوترات وتحقيق تسوية تفاوضية.
*خامساً: تيك توك – والتكنولوجيا أيضاً في مرمى ترامب*
في موازاة الحرب التجارية، يتجه ترامب إلى تصعيد جديد ضد الشركات الصينية، خصوصاً “باي دانس” المالكة لتطبيق “تيك توك”. فقد منح الرئيس مهلة تنتهي في 5 أبريل لبيع الحصة الصينية، مهدداً بالحظر التام في حال عدم التنفيذ. هذه الخطوة تحمل أبعاداً تتجاوز التجارة، وتمتد إلى الأمن القومي والتكنولوجيا والهيمنة الرقمية.
*سادساً: منافع اقتصادية أم مخاطر نظامية؟*
الرئيس ترامب يراهن على أن الرسوم الجديدة ستنعش الاقتصاد الأميركي، موفّرة تريليونات الدولارات سنوياً، وتعيد الوظائف إلى الداخل. التقديرات الحكومية تشير إلى جمع 6 تريليونات دولار خلال عقد، أي نحو 600 مليار دولار سنوياً.
لكن اقتصاديين ومحللين يحذرون من آثار عكسية، تشمل ارتفاع الأسعار، تراجع القدرة الشرائية، تباطؤ النمو، وفقدان الحلفاء التجاريين، بل وربما انقسام النظام التجاري العالمي إلى تكتلات مغلقة.
*أخيراً: هل سيكون هذا “التحرير” بداية لحرب تجارية؟*
في خضم التحولات الاقتصادية العالمية، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم “تحرير أمريكا” بفرض رسوم جمركية جديدة ليشكل منعطفاً حاداً في مسار النظام التجاري الدولي. لم تكن هذه الخطوة مجرد إجراء اقتصادي عابر، بل حملت أبعاداً سياسية واستراتيجية عميقة تعكس توجهاً نحو إعادة صياغة مفهوم السيادة الاقتصادية تحت شعار “أميركا أولاً”. وبين من يرى في هذا القرار لحظة “تحرير” اقتصادي وبين من يحذر من تبعاته الكارثية على الاستقرار العالمي، يظل السؤال مفتوحاً: هل تمثل هذه السياسة بداية لنهج اقتصادي أكثر استقلالية وفاعلية، أم أنها شرارة لحرب تجارية قد تعصف بتوازن الأسواق وتغرق العالم في فوضى يصعب احتواؤها؟
