*الثورة المالية الصامتة*…ناجي الغزي

منبر العراق الحر :
في 17 مارس 2025، أعلن بنك الشعب الصيني عن خطوة تاريخية تمثل نقلة نوعية تعيد رسم ملامح النظام المالي العالمي، وذلك من خلال ربط نظام تسوية اليوان الرقمي عبر الحدود مع دول آسيان والشرق الأوسط، مما يعني تجاوز هيمنة الولايات المتحدة على التدفقات المالية العالمية عبر نظام SWIFT التقليدي الذي يعتمد على الدولار الأمريكي. وهذا يعني أن 38% من حجم التجارة العالمية ستتجاوز نظام “SWIFT” التقليدي. هذه الخطوة ليست مجرد تطور تقني، بل تمثل تحولاً استراتيجياً ذو أبعاد إقتصادية وجيوسياسية واسعة.
وهو إعلان عن ولادة نظام مالي جديد قد يقوض هيمنة الدولار التي استمرت لعقود. وينهي حالة الاحتكار الذي بدأ يتعرض لضغوط نتيجة لتطورات التكنولوجيا المالية، خاصة مع صعود العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs). فهل نشهد بالفعل “معركة بريتون وودز 2.0”، حيث يتم إعادة صياغة النظام المالي العالمي بناءً على أسس جديدة؟
*نهاية عصر SWIFT*
لطالما هيمن نظام “SWIFT” الغربي على المعاملات المالية العالمية، لكنه يعاني من بطء في المعاملات (3-5 أيام) ورسوم مرتفعة. بالمقابل، اليوان الرقمي، المدعوم بتقنية (Blockchain) يتيح تسويات فورية تقريباً، حيث تمكن من تقليص مدة التسوية من أيام إلى ثوانٍ معدودة، وبهذا قدم اليوان الرقمي حلاً ثورياً:
1- *سرعة غير مسبوقة*: معاملات تستغرق 7 ثوانٍ فقط، مقارنة بأيام في النظام التقليدي. هذا التطور يعزز جاذبية اليوان الرقمي كشريان مالي بديل، خاصة للدول التي تسعى لتقليل اعتمادها على الدولار بسبب العقوبات أو التقلبات المالية.
2- *تخفيض التكاليف*: انخفاض رسوم المعاملات بنسبة 98% بسبب إلغاء الحاجة للوسطاء.
3- *شفافية وأمان*: الميزة الكبرى للمدفوعات العابرة للحدود باليوان الرقمي لا تكمن فقط في سرعتها وكفاءتها، بل في “الخندق التقني” الذي بنته الصين حول عملتها الرقمية. إذ تسمح تقنية سلسلة الكتل بتتبع المعاملات بدقة، مما يوفر أدوات قوية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي نقطة ضعف في النظام التقليدي.
هل ينجح اليوان في كسر هيمنة الدولار؟
*لماذا يشكل اليوان الرقمي تهديداً للدولار؟*
1. *تفكيك هيمنة العقوبات الأمريكية*: الولايات المتحدة تعتمد بفرض عقوباتها على الدول والمنظمات والشخصيات عن طريق نظام “SWIFT” المالي (كما في حالة إيران وروسيا)، فإن الصين في هذه الخطوة تتبني نظاماً موازياً يسمح للدول بالتحايل على هذه العقوبات. مثال: إتمام تايلاند أول صفقة نفط باليوان الرقمي، وإدراج 6 دول آسيوية لليوان في احتياطياتها.
2. *التكامل مع مبادرة الحزام والطريق*: اليوان الرقمي ليس مجرد عملة، بل هو جزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع. في مشاريع مثل سكة حديد الصين-لاوس، تم دمج اليوان الرقمي مع أنظمة الملاحة والاتصالات الكمية، مما يعزز الاعتماد عليه في التجارة البينية.
3. *السيادة المالية الرقمية*: أصبحت الصين تتحكم في البنية التحتية للدفع الرقمي عالمياً، حيث أن 87% من الدول تكيفت مع نظام اليوان الرقمي. وحجم المدفوعات عبر الحدود تجاوز 1.2 تريليون دولار.
4. *تحدي اليوان الرقمي*: مع تزايد قوة اليوان الرقمي، تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم أمام تحدٍ جديد. فبينما استخدمت واشنطن العقوبات المالية كسلاح ضد دول مثل إيران وروسيا، يبدو أن الصين تعمل على إنشاء “شبكة مالية موازية” يصعب على الغرب التحكم فيها.
5. *النفوذ المالي للصين*: هذا لا يعني أن اليوان الرقمي سيحل محل الدولار بين ليلة وضحاها، لكن النفوذ المالي للصين يزداد بشكل مطّرد، خاصة في الدول التي تبحث عن بدائل مالية تقلل من تعرضها للضغوط الأمريكية. ووفقًا لبعض التقارير، فإن 87% من دول العالم باتت تتكيف مع استخدام العملات الرقمية في المعاملات العابرة للحدود، مما يعكس تسارع التحول نحو اقتصاد رقمي جديد.
*التحديات والمخاطر*
رغم النجاح الصيني، تبقى تحديات أمام اليوان الرقمي:
– *الثقة العالمية*: هل ستتقبل الدول الغربية نظاماً مالياً تسيطر عليه الصين؟
– *الاستقرار المالي*: كيف ستتعامل الصين مع مخاطر الاختراق الإلكتروني أو التقلبات السريعة؟
– *التوازن الجيوسياسي*: قد تدفع هذه الخطوة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتسريع تطوير عملاتهم الرقمية.
*معركة بريتون وودز الجديدة*
وكما أعاد اتفاق “بريتون وودز” عام 1944 تشكيل النظام المالي العالمي لصالح الدولار، فإن الصين اليوم تستخدم التكنولوجيا لإعادة كتابة القواعد. الفارق هذه المرة أن الثورة ليست في قاعة مؤتمرات، بل في كود برمجي على “بلوكتشين”.
السؤال الآن ليس *”هل سينجح اليوان الرقمي؟”* وكم من الوقت سيستغرق ليصبح العملة العالمية البديلة؟”*. بينما تناقش واشنطن مخاطر العملات الرقمية، تكون بكين قد خطفت زمام المبادرة. والنتيجة؟ عالم مالي متعدد الأقطاب، حيث لم يعد الدولار هو الملك الوحيد.

كاتب سياسي

اترك رد