الغرائبية في رواية حرب الفيمنست الأخيرة … بقلم: زياد جيوسي

منبر العراق الحر :

حين أهداني الصديق الكاتب منذر السليمان من سوريا والمقيم في عمَّان روايته “حرب الفيمنست الأخيرة” شكرته وقلت له بعد أن قرأت العنوان ولوحة الغلاف: أعتقد أنك لم تخرج عن الغرائبية في روايتك الأولى كما في مجموعتك القصصية “وجهة غير واضحة”، والتي صدرت عن دار فضاءات/ الأردن أيضا كما روايتك هذه، والتي أعتقد أنها ستكون حافلة بالغرائبية التي تستفز القارئ، والرواية التي جالت في مئة واثننين وتسعين صفحة من القطع المتوسط، تلفت النظر بعنوانها واستخدام كلمة “فيمنست” الأجنبية بدلا من كلمة “نساء” بالعربية، وفي تصميم الغلاف الذي صممه القسم الفني في دار فضاءت الناشر للرواية نجد غلافا معبرا، من حيث وجود وجوه خمس نساء بألوان مختلفة يرفعن قبضات اياديهن في الفضاء في اشارة للحرب والقوة لنساء من كل الألوان البشرية، قام الكاتب بإهداء الرواية لوالدته التي يعتبرها رفيقته طالما هو حيا.

الرواية تقع ضمن تصنيف أدب الخيال العلمي الذي ظهر في القرن التاسع عشر، وهو يعتمد على تخيل فكرة قد تحصل في المستقبل القريب أو البعيد، وقد تتحقق نظريات وتخيلات الكاتب وقد لا تتحقق وتبقى في إطار التخيلات الممتعة للقارئ وتخوف الكثير من القراء وتثير التساؤلات لديهم أيضا، وهنا أستذكر رواية “من الأرض إلى للقمر” للكاتب “جول فيرن” والتي نشرت عام 1867م وتحققت عام 1969م بهبوط رائد الفضاء الإمريكي نيل أرمسترنغ على القمر، وهذا الأدب وجد له جذورا في الأدب العربي وصنفت بكتاب الكاتب الايطالي “أدا بربارو” والذي نشر عام 2013م، مؤلفات مثل الف ليلة وليلة وحي بن يقظان في كتب الخيال العلمي مع مؤلفات لتوفيق الحكيم هي “في سنة مليون الذي صدر عام 1953م وكتاب رحلة إلى الغد وصدر عام 1958 م، وأيضا كتب للكاتب نهاد الشريف والملقب عميد أدب الخيال العلمي والذي تخصص بهذا الأدب ولم يكتب بغيره، وهناك العديد من الكتاب العرب اتجهوا هذا الإتجاه مثل محمد نجيب مطر وفتحي غانم ويوسف السباعي ونبيل فاروق والدكتور طالب عمران من سوريا، وحديثا الكاتب أحمد صلاح المهدي وعمار المصري وغيرهم في السابق والوقت الحالي.

من البداية تتضح الفكرة الغرائبية في الرواية من حيث الحدث الأول فيها وهو انتشار وباء غامض يقتل الذكور بغض النظر عن الأعمار ولا يصيب النساء مع تاريخ لم يأت بعد وهو الرابع من تموز للعام 2036م، واختيار مسرح المكان مدينة “ريو دي جانيرو” وهي ثاني أكبر مدن البرازيل بعد سان باولو، فيجتمع الأطباء لمقاومة هذا الوباء الذي انتشر في العالم ومنهم الطبيب “رودريغو” المتزوج من “اليساندرا” والتي كانت في بداية حملها بغير رغبتها، لينقلنا مباشرة الى اليوم الأول من نيسان للعام 2057م وهو ذكرى مرور عشرين عاما على ولادة آدم من “اليساندرا”، والتي تخفيه في كهف حضاري بعيد عن العيون، وهنا تتجدد الغرائبية من جديد فالشاب اخفته أمه بعد تسعة شهور من انتشار الوباء، فهل يعني هذا أن كل الذكور ابيدوا ولم تبق الا النساء؟ واختيار اسم آدم له هل هو أشارة أن الحياة البشرية ستبدأ به كما بدأت بسيدنا آدم سيد البشر عليه السلام؟ وهو الذي لم يستطع معرفة أسرار حياته وأسرته الا من خلال خزانة ملفات تحتفظ بها الأم في كهفها.

علينا في البداية أن نلاحظ أن ساندرا هربت ولم يعرف بهروبها أحد الى الجزيرة التي كان يمتلكها جدها وعاشت وولدت في الكهف السري وهي حامل، وذلك بعد انتشار المرض وتعطل الحياة في ريودي جانيرو وانتشار الجثث بالشواع والبيوت، ووفاة زوجها الطبيب الذي أكد عليها أن تتركه وتغادر فهو ينتظر الموت، وان كانت تعيش بالنهار في قصر جدها بتلك الجزيرة الصغيرة وتزرع النباتات وتصطاد السمك لتأكل وابنها آدم، ولكنها كانت تخشى أن يصل البشر للجزيرة خوفا على ابنها وخاصة ان زوجها حذرها أن هناك مقنعين يعتقد أنهن من النساء يقتلن أية إمرأة حامل ص 48، وفي ص 122 يتكرر الحديث عن نساء مسلحات يقتلن كل الحوامل والذكور حتى الأطفال منهم ص 122 وهذا يشير أن من هم وراء الوباء وانتشاره هم مجموعة نساء معادية للذكور وعلى مستوى عالمي وليس في ريود دي جانيرو فقط، فهل كانت حكومة عالمية من النساء لها هدف ابادة الذكور حتى تنقرض البشرية؟، ولكن افلت الأمر من أياديهن لانتشار الجثث بدون دفن فانتشرت الأوبئة خلال السنوات الخمس التالية للوباء وقتلت حتى النساء والأطفال، بعد أن أفنى الوباء كل الذكور ولم يتبق الا بضع عشرات الآلاف من النساء في العالم وذكر واحد هو آدم ابن ساندرا، والذي كانت تخفيه بالجزيرة خوفا عليه من المرض ومن النساء والقتل.

في قفزة مفاجئة نجد آدم قد وقع في أسر مجموعة من النساء اصطدنه بالشبكة كما يتم صيد الحيوانات ص 49 وتم نقله إلى مكان بعيد في رحلة على سفينة استمرت عشرة أيام، وهنا السؤال: كيف تمكنت هذه النساء من الوصول للجزيرة ولم تعد هناك وسائل مواصلات ولا وقود لها؟ وكيف لم تنتبه والدته لوصول السفينة ونزول قوارب منها تحمل النساء للجزيرة لاصطياد آدم وهو لا يفارقها وبالتالي الاختفاء بالكهف السري؟ وكيف امتلكت هؤلاء النسوة التكنولوجيا المتقدمة في ظل الظروف المحيطة بهن؟ وكيف عرفن أسم أمه ومكانها وأن لها ابن وأنها لقنته وعلمته بشكل جيد ص 77، وهي سيدة عادية وليست الا محاضرة جامعية انعزلت عن العالم الخارجي منذ أكثر من عشرين عاما وهي حامل لم تلد بعد، وفي ظل انقراض مليارات البشر لن يبق أحد يعرف أو يتذكر ساندرا وخاصة من قارة أخرى، وفي قفزة أخرى يتبين أن النساء أحضرن أمه معه بعد البكاء والرجاء والتقى بها ص 97 وأنها رافقته بالقارب والسفينة التي نقلتهم وهذا يثير التساؤلات مرة أخرى.

في البداية يقمن بالتعامل معه كثور تلقيح من خلال محاولات اجباره على علاقات جنسية تم بعضها في البداية، من أجل أن تحمل هذه المجموعة من النساء من أجل بقاء واستمرار الجنس البشري وخاصة أن آدم هو الذكر الوحيد على الكرة الأرضية، ولكن يتغير الأسلوب إلى الحوار ومحاولات الاقناع بعد ردة فعله على أسلوبهن السابق ورفضه له، وتكلف سيليفيا من قائدة مجموعة النساء بإقناعه بما يردن منه، ولكن في قفزة أخرى نقرأ في ص 85 أن سيليفيا تقف على جسر” Putney bridge” الشهير على نهر التايمز، وهذا النهر هو نهر انجليزي جنوب المملكة المتحدة “بريطانيا” والجسر يقع غرب لندن فكيف عرفت مجموعة النساء بوجود آدم وموقعه والمعلومات عن أمه في ظل انقطاع وسائل الاتصال، وهو ولد وعاش 21 عاما مع والدته منعزلين عن العالم كله بتلك الجزيرة؟ وهذه النقطة يكشفها الكاتب في نهاية الرواية بينما يبقى السؤال: كيف نقلنه من الجزيرة الصغيرة في البرازيل الى لندن في سفينة في ظل عدم وجود وسائل نقل حديثة كالطائرات والسفن وعدم وجود الوقود لها في ظل الخراب الذي حصل بالعالم؟ وهاته النسوة لو كن في سن يزيد عن 25 عاما حين صار الوباء فهن الآن في مرحلة لا إمكانية الا نادرة للحمل والولادة إلا لمن كن طفلات ونجين من الموت حين حل الوباء، مع الاشارة في ص 91 أن سيلفيا وزميلتها تيريزا مثليات ويمارسن الشذوذ.

من الملفت للنظر أن آدم وقع في عشق سيلفيا فهل يمكن للسجين أن يعشق السجان؟ وسيلفيا كانت غارقة بعلاقتها الشاذة مع تيريزا وهي التي لم تر ذكرا في حياتها وكانت تظن أن الحب هو بعشق امرأة لإمرأة وممارسة الشذوذ معها، وتنفذ مهمة مكلفة بها من رئيستها “كاجول” بأن يستجيب لها آدم ويوافق على علاقات جسدية تؤدي لحمل الفتيات وإنقاذ الجنس البشري، حتى التقته كاجول برفقة أمه وسيلفيا وأدريانا التي كانت تصادق ساندرا في معتقلها، ولتبدأ كاجول برواية سبب ما جرى بالعالم من خلال حكاية طبيبة اسمها “أليسون كارليل” وتسمي نفسها “كوبيلي” نسبة لآلهة الجبال والطبيعة والخصوبة في منطقة آسيا الصغرى وهي آخر الربات المعبودات قبل انتشار المسيحية، وهي من اسكتلندا وتعرضت للتحرش من زوج والدتها وهي طفلة والاغتصاب وهي مراهقة وغادرت بيت أمها وزوج أمها وذهبت ودرست الطب، وحين اشتعلت حروب ما سمي بالربيع العربي بالشرق الأوسط، قررت أن تتطوع للمساعدة الطبية وتصل الى تلك المناطق التي تعاني من الصراع من المعارضة والحكومة والظلاميين، الذين أسماهم الكاتب “راديكاليين” وهي كلمة انجليزية من أصول يونانية أصبحت الاشارة بها للقوى المتطرفة وخاصة الحركات التي تتغطى بالدين، فتقع بأسر هذه الحركة وسبية من سبايا قائدهم الوحش البشري كأحد زوجاته أو شيء من أشياءه لأربعة شهور قبل أن يفرج عنها بصفقة تبادل.

تعرض “كوبيلي” للتحرش في طفولتها والاغتصاب في مراهقتها وخلال عملها ترك أثره في نفسها وعلى نفسيتها، وهي مقتنعة بما وصلت اليه من خلال القراءة بعد خروجها من الأسر وعودتها لوطنها، أن المجتمع الأفضل هو حين كان المرأة تسيطر على المجتمع قبل السيطرة الذكورية وتهميش دور المرأة، وربطتها صداقة مع كاجول فباحت لها بقصتها وأرائها وأن المرأة في الغرب والشرق مستلبة من الذكور، وقد تمكنت من جذب عدد كبير من النساء لافكارها من المريدات والمؤيدات والمعجبات من خلال قوة شخصيتها ووسائل التواصل الاجتماعي.

فأسست جمعية المرأة الأرض عام 2017م والتي كانت الغطاء لما تريد الوصول اليه، حيث وبقفزة مستقبلية إلى عام 2023م اشترت الجمعية مقرا ضخما هو في الأصل فندق ضخم افلس بعد انتشار وباء الكوفيد في العالم وتأثر الاقتصاد العالمي بنتائجه، وقد جرى تحويله إلى مقر للجمعية وفي عام 2028م أصبح لدى الجمعية تمويل ضخم ومشاريع كبيرة زراعية وصناعية ممتدة في العالم من البرازيل مرورا بأفريقيا ووصولا إلى الفلبين، وهذه الجمعية كانت الغطاء للمشروع الذي تعمل عليه كوبيلي بصمت وبدون معرفة قيادة الجمعية من خلال مختبرات مغلقة تحت مقر الجمعية لتصنيع الفايروس القاتل للذكور، وشكلت من مريداتها عصابات في أنحاء العالم تحول لهن مبالغ مالية ضخمة وتغطيها بمشاريع وهمية للجمعية، لنشر الفايروس في لحظة محددة في كل بقاع الأرض ومن لا يموت من الذكور بالفايروس يقمن يقتله حتى لو كان طفلا.

بعد أن روت كاجول الحكاية تركت الفرصة لآدم أن يكون منقذاً للبشرية من الإنقراض ص 183 فيطلب مهلة من عدة أيام ليقرر، ويكون قراره مصارحة سيلفيا بحبه وأنه يريدها وحدها فقط ولا يريد أن يكون ثور تلقيح ص 185، فأصبحنا أمام حكاية آدم وسيلفيا التي أحبته ورغبت أن تكون حواءه وله فقط وأخذت دعم كاجول لذلك كي يكون الحل الوحيد لمشكلة انقراض البشرية.

هنا نرى أن خيال الكاتب إستمد فكرة وباء الكورونا وما كان ينشر ويقال عن مؤامرة تقودها مجموعة من البشر تهدف لتقليص سكان العالم الى رقم لا يتجاوز 500 مليون نسمة من خلال تصنيع فايروس كورونا ونشره في العالم، ومن ثم اللقاح لمعالجته وما سمعنا وقرأنا أن اللقاح يقتل من يأخذه خلال عامين، وما قيل عن إكتشاف ألواح حجرية قديمة في ولاية جورجيا الامريكية تتحدث عن ذلك، والكثير من الروايات التي حولت الكورونا إلى رعب هز العالم وسكان الأرض في كل البلدان وتأثر الاقتصاد العالمي واهتز بقوة، وهذا الجو الذي عاشه الكاتب في عمَّان عاصمة الأردن التي كانت الحكومة فيها تفرض “الكِمامات” على المواطنين وتمنع التجمع واقامة الندوات والأعراس والصلوات في الكنائس والمساجد، إضافة لمنع التجوال على المواطنين بين فترات طويلة وفترات جزئية، وفي ظل هذه الأجواء كتب الكاتب روايته وأنهاها في منتصف شهر آب 2021م، فتولدت لديه الفكرة وتخيل هذا الفايروس القاتل للذكور، وعاد إلى قصة آدم عليه السلام وحواء حيث بداية البشرية من خلال اسم الرواي للرواية “آدم” مع تحوير عصري يتناسب مع الفكرة، ويلاحظ أن الكاتب تجنب الإشارة بالإسم للبلد التي كانت فيها الأحداث وعمم الإسم بكلمة “الشرق الأوسط” تاركاً ذلك للقارئ أو لأسباب أخرى، وتجنب ذكر اسم التنظيم الذي كان يمارس عملية السبي للنساء واكتفى بالوصف أنه “راديكالي” رغم انتشار الاسم في العالم، ولم يشر لمن أسس ودعم هذه القوى المتسترة بالدين من أجل الإساءة للدين وزرع فكرة أن الدين الإسلامي هو دين متطرف في أذهان الناس في العالم، وما لفت نظري اختيار لندن مركزا لصناعة الفايروس القاتل وأيضا اختيارها من أجل انقاذ البشرية، والجميع يعرف التاريخ الأسود لبريطانيا في تخريب العالم وزراعة المستعمرات والإستيلاء على الثروات، ويكفي دورها في احتلال فلسطين وتسليمها للصهاينة وقتل وتشريد أبناءها كمثال، فهل يمكن أن تكون هي التي تنقذ البشرية؟

وفي النهاية لا بد من الإشارة أن الرواية ممتعة ومثيرة للخيال وتصور كيف يمكن أن تنقرض البشرية بسبب فرد تتولد لديه فكرة جنونية، وقد تمكن الكاتب أن يعطي كل شخصية في الرواية دورها فلم نجد شخصيات فائضة عن السرد الروائي، ودخل في نفسية الشخوص سواء الرئيسة أو الثانوية مؤكدا أن الخير يبقى في نفوس البشر وكذلك الحب، وأن البشر رغم كل ما يحصل في العالم من أوبئة وحروب إلا أن الرغبة باستمرار البشرية تبقى قائمة، وهذا ما نلاحظة من رغبة الأم ساندرا في الأسر بأن يكون ابنها منقذ للبشرية من الإنقراض.

ومع كل الملاحظات على الرواية لا بد من الإشارة أنها الرواية الأولى للكاتب فكانت رواية جيدة من حيث الأسلوب والفكرة وتقديم فكرة استمرار الإنسان، وتمكن من الدخول إلى المشاعر والأحاسيس في شخصيات الرواية والتنقل بسلاسة في المكان والزمان المتخيل في المستقبل، معطيا فلسفات فكرية مختلفة من خلال الشخوص والوعي الانساني واللاوعي أحيانا، فترك هذا أثره على الحبكة الروائية، وسلط الضوء كيف أن ممارسات القوى المتطرفة قد تسبب اشكالات في العالم غير التي يعرفها القارئ من خلال هذا الخيال، فكان الصراع على الوجود والاستمرار هو محور أساس في بنيوية هذا العمل الروائي الممتع من خلال التخيل لمستقبل قريب لا يبعد زمنيا عن مرحلة الكورنا بأكثر من خمسة عشر عاما، وأيضا من خلال العناوين التي توجه ذهن القارئ باتجاهات محددة، فكان الكاتب منذر السليمان مبدع بمسك خيوط الحبكة في الرواية سواء من حيث القصص المتعددة أو الأحداث وربطها ببعضها، فأتقن سمات الرواية في روايته الأولى رغم أنه بقي متأثرا بالقصة التي كانت محور كتابه الأول، وهذا ما سنلاحظه في روايات الأحداث وخاصة في نهاية الرواية التي انتهت فجأة كما تنتهي نهايات القصص، وأمنيتي في نهاية بوح قلمي أن لا يتحول هذا الخيال العلمي إلى واقع.

“جيوس 1/1/2023”

 

اترك رد