منبر العراق الحر :….حاورته :دنيا علي صاحب – العراق….
يُعدّ المعمار والفنان التشكيلي طه الهيتي قامة مؤثرة في مجال العمارة الإسلامية والفن التشكيلي المعاصر، حيث يبرز كأحد المجدّدين الذين أعادوا استحداث الخط العربي ضمن الفراغات المعمارية الحديثة، مستلهمًا جذوره من حضارة العراق . فمن ذاكرة الفن الرافديني وآثاره، انطلقت رؤيته التشكيلية متميزة بالجمال والدقة، في تأليف خط النص العربي الإسلامي وروح تصميم البناء المعماري، لتخلق تصميمًا فنيًا متكاملًا يحوّل الحرف إلى شكل حي يتفاعل مع الفراغ والمكان، ويمنح المبنى شخصية معمارية تجمع بين الأصالة والابتكار المعاصر.

ونسلّط الضوء على معرضه الجديد “الخروج عن النص”، الذي يمثل تجربة فنية ودعوة فكرية لتفكيك النمطية والانفتاح على ابتكار تصاميم معاصرة تحمل روحًا إنسانية، وتُقدّم بلغة بصرية متجددة تربط بين الشكل والمحتوى والموروث بالمعاصرة، لتؤكد أن الفن التشكيلي والعمارة هما تجربة فكرية وإبداعية تعكس مفهوم الإنسان للعالم من حوله.
وفي هذا الحوار، نقترب من فلسفته الفنية والمعمارية، ومن التقنيات التي يوظّفها، ومن رؤيته لاستشراف مستقبل العمارة العربية الإسلامية في زمن الاستدامة والتكنولوجيا، لنكتشف كيف استطاع الهيتي أن يحوّل الخط العربي إلى إيقاع بصري مقروء، ويجعل من العمارة نسقًا تأويليًا قابلاً للإلهام.

_______________
نرحّب بك أستاذ طه الهيتي في هذا اللقاء، ويسعدنا أن نتعرّف أكثر على شخصيتك وفنك الهندسي التشكيلي والمعماري الاستثنائي، الذي يعبر عن الأبعاد الروحية والإبداعية في الخط العربي الإسلامي.
• هل يمكن أن تعرّفنا بهويتك الشخصية والثقافية التي شكلت منهجيتك المميزة في المشهد الفني والمعماري العالمي؟
• كما يقال ان الشاعر ابن بيئته ، ولدت في أرض الرافدين وتراثها يجري كعروقٍ في وجداني. بدأت رحلة الخط على يد المرحوم عباس البغدادي، ثم امتدت دراستي إلى فضاءات العمارة في جامعتي بغداد وفيينا، حيث تعلمت قراءة الحيز كقيمةٍ لبناء الحركة في الفراغ. من هذا التلاقي نشأت فكرة جسور تربط بين خطٍ ثنائي الأبعاد وهندسةٍ ثلاثية الأبعاد، لصياغة حروفٍ تتحول إلى مناراتٍ كما في منارات مسجد مؤسسة قطر.
• يحمل عنوان معرضك “الخروج عن النص” دلالات فكرية عميقة، فما الذي يمثله هذا العنوان بالنسبة لك؟
• الخط العربي رغم أصالته، أصبح أسير تقاليد أنتجت نمطية في النصوص والتراكيب. عنوان “الخروج عن النص” ليس لافتة بل هو مشروع معرفي يحرّر الخط من القوالب ليتيح مجالًا لنصوص معاصرة إنسانية وفلسفية، ويعيد تعريف علاقة المضمون بالشكل. بعض المخطوطات تتخلى كليًا عن الكلمات، فتتحول الرموز والفراغات إلى «لوحات صامتة» تكسر حاجز اللغات، كما في مخطوطة راس الفرس العربية. هنا، تتلاقح المعارف لتغذي وعي المتلقي وتثري الحوار بين مختلف الحضارات .

• هل يمكن أن توضح لنا رؤيتك حول اختيارك للنصوص، وما هي مدارس الخط العربي التي تستخدمها في أعمالك التشكيلية وتفاعلها الانسيابي مع التصميم المعماري؟
• بعيدًا عن الاستنساخ التقليدي، أختار نصوصًا قرآنية وحِكمًا شعرية وأدبية تستقصي مواقف من واقع تعاملاتنا اليومية. أعتمد بشكل أساسي على مدارس الخطوط الثلاثة: الثلث، الديواني، والإجازة، لما تتميز به من مرونة تشكيلية وجمالية تتيح تحقيق انسجام بصري فريد بين النص والخط، واثراء الفراغات المعمارية، لتقديم تجربة تتجاوز مجرد الشكل إلى عمق المعنى والرمزية.
• يحتفي المعرض بتراث الخط العربي الإسلامي، حيث قدّمت أعمالًا تشكيلية تنفتح على آفاق فلسفية في الزخرفة والخط. كيف حققت هذا التوازن الدقيق بين تأصيل الموروث العربي الإسلامي واستشراف روح الحداثة المعاصرة؟
• هذا السؤال يجسد جوهر معرض “الخروج عن النص”. تم تقديم آيات قرآنية ونصوص إنسانية وفلسفية بمنهجيات تركيبية تعتمد على التراكب، الانعكاس، القلب، والمد، لبناء جسر إبداعي يربط بين المضمون الفكري والشكل الجمالي في تأليف بصري معاصر.

• من خلال عدسة الفن المعاصر، نرى أنك أزحت الحدود التقليدية للعمارة والخط العربي. ما التقنيات الحديثة والمفاهيم الهندسية التي اعتمدتها لإنجاز هذه الأعمال الفنية المتنوعة في التصاميم؟
• الفن يسعى دائمًا لتجاوز النمط الاعتيادي المألوف. من هذا المنطلق، تم تحويل الفراغات الحجمية ثلاثية الأبعاد إلى مسطحات خطية ثنائية الأبعاد لتنفيذ ورسم المخطوطات، ثم إعادة تجسيدها فراغيًا إلى البعد الثلاثي باستخدام برمجيات متخصصة وحواسيب متطورة تتحكم بتقنيات التصنيع الرقمي كالقطع بالليزر. جاعلةً من التكنولوجيا أداة في يد الفنان لتحقيق رؤاه الإبداعية بطرق معاصرة لم تكن ممكنة من قبل.
• هل تتعامل مع العمارة باعتبارها نصًا مفتوحًا قابلاً للتأويل، كما هو الحال في الأدب والفلسفة والفن التشكيلي؟
• نعم ، العمارة تتسم بتعدد الدلالات وقابلية للتأويل، حيث تحمل معاني ورموزًا متنوعة وفقًا للسياق والغرض. مثلًا، تجسد ملوية سامراء الرمزية العميقة، بينما تركز الجامعة المستنصرية على الفائدة العملية. يُشبه هذا الحال الخط العربي، الذي يمكن أن يمثل رمزًا جماليًا أو نصًا ذا معنى محدد.
• ما رؤيتك لمستقبل العمارة العربية الإسلامية في ظل الثورة التكنولوجية ومتطلبات الاستدامة في تطور فن هندسة العمارة عالميًا؟
• أتخيل مستقبل العمارة العربية الإسلامية في نموذج معماري متجدد، بتصاميم مباني مستوحاة من التراث العريق بأسلوب معاصر. الخطوط العربية تتراقص على الواجهات، تعتلي الأسقف، وتتسلل إلى المشربيات، مصحوبة بمخطوطات لآيات قرآنية ونقوش وزخارف ونصوص، لتمنح المباني هوية بصرية معاصرة لا تخطئها عين، وتتكامل مع التوظيف الذكي للتقنيات لتحقيق حلول مستدامة.
• هل ترى أن هندسة عمارة المدن تؤثر في صقل شخصية الإنسان وهويته داخل المجتمع؟
• بالتأكيد، هندسة عمارة المدن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الشخصية الفردية وهوية المجتمع. فمن خلال تنفيذ تصاميم تعزز الهوية الثقافية وتشجع التفاعل الاجتماعي وتوفر بنية تحتية ملائمة، يتم تحسين السياق الحضري الذي يؤثر إيجابًا على التشكيل النفسي والسلوكي للإنسان، وتعزيز شعوره بالانتماء.

• إلى أين تتجه مشاريعك المقبلة متحديًا بابتكاراتك الفنية التشكيلية والمعمارية حدود الزمان والمكان؟
• تصميم المشاريع يتكيف ويتطور وفقًا للمتغيرات السياقية والوظيفية. بناءً على الاحتياجات المتغيرة، وهذا نتيجة طبيعية لسعي الابتكار البشري الدائم نحو التكامل.
• إذا صممت مشروعًا معماريًا، ما الأسس التي ستضعها لضمان استدامته وجماله ووظيفته؟
• يمكن تلخيص مبادئ تصميم مشروع معماري مستدام وجميل وعملي في ثلاث نقاط:
1. الاعتماد على مواد صديقة للبيئة ومحلية، تصميم موفر للطاقة، استغلال الموارد الطبيعية كجمع مياه الأمطار وتحفيز التهوية الطبيعية، وتحسين كفاءة استهلاك المياه.
2. تصميم معماري يستفيد من الضوء الطبيعي، يعبر عن الهوية الثقافية من خلال عناصر زخرفية وخطية مستوحاة من التراث، ويحقق تناغمًا بصريًا.
3. تعزيز التصميم بمكونات إضافية مثل الفناء الداخلي لتوفير بيئات داخلية صحية ومريحة، وتحقيق مرونة الاستخدام والاستجابة للاحتياجات المتغيرة للمجتمع.

• ما الرسالة التي تسعى إلى إيصالها للجمهور من خلال تصاميمك وأعمالك الفنية في معرض “الخروج عن النص”؟
• الهدف من معرض “الخروج عن النص” هو دعوة تأملية للجمهور لتجاوز المرجعيات النمطية، واستكشاف آفاق إبداعية جديدة تحفز حوارًا فكريًا بناءً يعيد تعريف العلاقة بين القيم المعمارية والخطية لرؤى مستقبلية مبتكرة.
منبر العراق الحر منبر العراق الحر