تحالف القوى السنيّة : ( قراءة جديدة في مسار إعادة التموضع السياسي )…د.رافد حميد فرج القاضي

منبر العراق الحر :….

تشهد الساحة السياسية العراقية لحظة مفصلية مع بروز تحركات سنية تسعى إلى إعادة هيكلة حضورها داخل المشهد الوطني، في محاولة واضحة لكسر حالة الارتهان للظروف الطارئة التي رافقت السنوات الماضية وهذه التحركات ليست مجرد ائتلاف انتخابي عابر، بل تعبير عن حاجة ملحّة لإعادة صياغة الدور السياسي لقوى كانت تعاني من التشتت وتعدد مراكز القرار، ما جعل حضورها في بغداد متقطعاً وغير مؤثر بالشكل المطلوب وبالتالي ادى ذلك تشكيل المجلس السياسي الوطني.

[] وحدة القرار… شرط البقاء السياسي.
إن أي قوة سياسية، كي تمتلك قابلية التأثير، تحتاج إلى مركز قرار واحد قادر على صياغة موقف جامع. التجربة العراقية أثبتت أن التشظّي داخل المكوّن السني كان أحد الأسباب الرئيسية لتراجع دوره في ملفات محورية مثل إعادة الإعمار عودة النازحين، وإدارة المحافظات المحررة واليوم، تتجه هذه القوى نحو تشكيل إطار سياسي يهدف إلى تجاوز حالة “الأجنحة المتوازية” التي لا تلتقي إلا عند الضرورة، والانتقال إلى “قيادة مشتركة” تحمل مسؤولية الموقف وتبعاته.
وهذه الوحدة ليست ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية فالفاعلية في بغداد تُقاس بمدى الانسجام الداخلي، لا بعدد المقاعد أو الخطابات الإعلامية وكلما تماسك الجسم السياسي السني، ازدادت فرصة فرض رؤيته في الملفات الوطنية الكبرى.
[] إعادة التموضع داخل المشهد الوطني.
التحركات الأخيرة تعكس رغبة في مغادرة مربع “رد الفعل” والدخول في مرحلة “صناعة الحدث” فالمكوّن السني لسنوات كان يتعامل مع الواقع السياسي بوصفه سلسلة أزمات طارئة ينبغي استيعابها وليس مساراً يمكن التأثير فيه عبر رؤية إستراتيجية طويلة الأمد.
والتحالف الجديد—بصرف النظر عن تفاصيل تشكيله—يريد أن يقدم نفسه كفاعل وطني يمتلك القدرة على المبادرة، لا كجبهة تبحث فقط عن مكاسب آنية في حكومة أو لجنة برلمانية وهذا الوعي الجديد في مقاربة العمل السياسي قد يكون بداية لمرحلة مختلفة، تتجاوز الشخصنة وتنافس الزعامات التي أنهكت المشهد وشتتت الجمهور.
[] الانفتاح على الشركاء… عقل سياسي براغماتي.
من الواضح أن القوى السنية تدرك أن قوتها لا تُبنى بالانعزال، بل بخلق شبكة علاقات واسعة مع بقية المكوّنات فالنظام السياسي في العراق بطبيعته توافقي، ومن الصعب لأي كتلة أن تعمل بمعزل عن القوى الأخرى.
وعليه، يبدو أن التحالف يسعى لبناء نهج جديد يقوم على الانفتاح على جميع الشركاء من دون الدخول في صراعات عبثية أو الاستقطابات التقليدية. هذا المسار ليس تنازلاً، بل قراءة واقعية لطبيعة النظام السياسي، ومحاولة للاستفادة من اللحظة الراهنة التي تتطلب خطاباً أقل حدّة وأكثر واقعية.
[] تثبيت الحضور ومنع الانقسامات.
التحولات التي تشهدها الساحة السنية اليوم تحمل بُعداً آخر لا يقل أهمية: منع تكرار سيناريوهات الانقسام التي كانت تظهر مع كل دورة انتخابية. فالخلافات لم تكن مجرد تباينات سياسية، بل صراعات شخصية أضعفت الجميع، وأدت إلى خفض مستوى التمثيل وتأثيره داخل الدولة.
واليوم، يبدو أن هناك إدراكاً جماعياً بأن بقاء الانقسامات لم يعد خياراً، وأن الجمهور السني نفسه بات يطالب بإطار موحّد قادر على حماية مصالحه، بعيداً عن التجارب السابقة التي أهدرت كثيراً من الفرص.
[] خطوة قد تغيّر قواعد اللعبة.
ما يحدث الآن ليس مجرد اجتماع، ولا مجرد تحالف انتخابي؛ بل محاولة لإعادة بناء البيت السياسي السني وفق أسس جديدة تقوم على :
.توحيد الرؤية والقرار
.تعزيز الحضور الوطني
.إنهاء مرحلة التشظي
.بناء تحالفات متوازن
[] التحول من رد الفعل إلى صناعة التوازن
وإذا ما نجحت هذه القوى في الحفاظ على هذا النسق، فإنها قد تعود لتكون رقماً مهماً في المعادلة الوطنية، وتستعيد جزءاً من ثقلها الطبيعي داخل الدولة العراقية.
بالتالي فان المرحلة القادمة ستكشف ما إذا كان هذا المشروع مجرد خطوةبروتوكولية أم بداية فعلية لتحول جوهري طال انتظاره.

د.رافد حميد فرج القاضي

اترك رد