جنون في النقل لا في العقل….كريم خلف الغالبي

منبر العراق الحر :
ما بيني وبينك يا أول بنت لآدم ، ليس سوى خيطٍ واهٍ من خيوط شبكة عنكبوتية ، وما أنا إلا نقطة عصب في خلية حسية ، تهتزُّ لها كل شباك الكون مرورا بعصورها الجليدية حتى آخر عاصفة في صحراء الجزيرة العربية ، أنا يا ابنة النبي من سلالتكم ، ركبت في سفينة نوح بعد أن رست على أرض منفية في آخر جزيرة من جزر يعيش عليها من كل زوجين اثنين ، فما زال سكانها يرقبونه آتيا على أول طريق اختار الرحيل فيه بعد الطوفان ، عسى أن يحتفي معهم كي يمنحونه وسام البقاء على أرضهم المنسية ، لقد رسم ملامح ذلك الطريق بيديه المتعبتين من دقِّ المسامير على آخر خشبة سندت أضلاع تلك السفينة ، معبدا ذلك الطريق بإسفلتٍ من دموع الحرمان ، صابغا أرصفته بلون احمرار طرفي عينيه اللائذتين خجلا من أنظار شرار قومه المستهزئين ، يا ابنة الأنبياء سوف لن يمنع وصولي إليك قطع من ليل ولا تلافيف من نهار ، فما بين القلوب لا تحجبه إلا الذنوب ولابد لك أن تجيبين على أسئلة في القلب جائرة ، وفي العقل حائرة ، فأنصتِ إليَّ في لحظة عابرة واسمعِ قولي هذا :
-إذا كانت الشمس هي هي وكذلك القمر ، فهل إن الليل والنهار هو هو أيضا ؟ أم إن من يأتي من ليل لا يشبه ليل مضى ؟ وما يأتي من نهار لا يشبه نهار قضى .
أجابته :
-لابد لنا أن نعرف بأن هناك فرق كبير بين من يتوالد وبين من يتكرر ، والذي يجيد فن المقارنة بين الإثنين لابد أن يكون حياديا ، وإن كان ينتمي لأحدهما دون أن يدري ، أو ربما ينتمي إلى إثنيهما في عالم لا مرئي ، ولكي نفرق بين التوالد والتكرار لابد لنا أن نعرف ، أن الجزء اصغر من الكل ولا يمكن أن يساويه .
قال لها :
-ما يحدث من توالد ما هو إلا وهم لتكرار لا نشعر به ، فإذا كان الجزء يساوي الكل والكل يساوي الجزء ، فهل الفرد هو تكرار لفكرة وجود أم توالد مستمر ؟ وهل التوالد مختص بالأجسام دون الأرواح طالما الروح هي واحدة ؟ وما معنى التكرار بالضبط؟ هل هو وجود شيء مطابق للشيء نفسه ؟ أم إن الشيء نفسه قد تعددت أماكنه ، وهذا لا يعني تكراره وإنما تكرار ظهوره ، وهل نحن تكرار لشخص واحد ينتهي بآدم ؟
أجابته :
-في هذه الحالة لابد لنا أن نعترف إن التوالد هو تكرار لابد أن يمر بأطوار ، فإنسان اليوم هو إنسان الأمس ، وما أنت إلا كأول الخلق من آدم ، لأن الليل هو الليل ، والنهار هو النهار ، والشمس هي الشمس ، والشجرة هي الشجرة ، وان النخلة التي اساقطت رطبا جنيا على مريم بنت عمران هي هي نخلة اليوم ، وعليها أن تمنحنا الرطب نفسه ، وهنا لابد من سؤال : فهل ما ننتظره منك كالذي انتظرناه من آدم ؟
قال لها :
-ما أسهل الجواب عندما ننظر للخلقة وما أصعبه وأبعده منالا عندما ننظر إلى ما وراء الخلقة ، إلى ذلك العقل وما جاء به من أفكار ، فهل عقل الأمس كعقل اليوم ؟وما دمنا في أعلى درجات التطور ، فهل نملك عقولا أكثر تطورا من عقل أول ابن لآدم ؟
أجابته :
-إذا كان الأمر كذلك ، فالقمة ليست أكثر أهمية من الأساس ، وما نريد أن نبنيه لابد من الاهتمام بأسسه وقواعده أكثر من قمته ، فهل يحق لنا أن نقول ؟ أيننا من عقول آبائنا أم إننا نقول أينهم من عقولنا ؟

اترك رد