موسيقى “سره الباتع” تجدّد الجدل حول المخرج خالد يوسف وأعماله

منبر العراق الحر :

منذ طرحه خلال شهر رمضان، واجه مسلسل “سرّه الباتع” للمخرج خالد يوسف عدداً من الأزمات حول أخطاء ومغالطات تاريخية في الحلقات، لكنّ أزمة جديدة تصاعدت خلال الأيام الماضية، عندما أعلن الموسيقار راجح داوود في بيان مطول استخدام موسيقى أخرى ألفها لعمل آخر وهو فيلم “الريس عمر حرب” للمخرج نفسه.
وتابع داوود قائلاً: “عندما أبديت اعتراضي أخبرني بأنه لا مشكلة، فهذه الموسيقى من تأليفي وهذا هو فيلمه، إلا أنني لاحظت في الحلقات التالية استخدامه المتكرر لموسيقى وجمل لحنية كثيرة ليست من تأليفي ولا أعرف من هو مؤلفها، وهنا لم أستطع الصمت، فهذه مسؤولية فنية وقواعد مهنية يجب أن تحترم، وأنه من قبيل الجريمة أن تنسب إلى موسيقى لم أؤلفها”.
من جانبه، ظهر المخرج خالد يوسف في مقطع فيديو عبر صفحته الشخصية على “فايسبوك”، للردّ على داوود، فأكد خلاله قيمة داوود والعلاقة الطيبة التي تجمعه به، لكنه أيضاً كان حاسماً بشأن أحقيته كمخرج في وضع الموسيقى التي يراها ملائمة لأنها “رؤية المخرج”.
وأوضح يوسف أنه استلم الموسيقى قبل بداية شهر رمضان بفترة وجيزة، ووجدها غير كافية للحلقات، رغم أنه استخدمها كاملة، وهناك مشاهد لم يجد موسيقى مناسبة لها، فاضطر إلى الاستعانة بموسيقى أخرى من أفلامه السابقة في بعض المشاهد بعد استئذان أصحابها ووضع اسمهم على تتر المسلسل.
واعتبر داوود أن ما فعله المخرج خالد يوسف لا يمكن تبريره بدعوى أن هناك أجزاءً ناقصة تحتاج الى موسيقى، معلناً عدم مسؤوليته عن تلك الزيادات الموسيقية التي ليست من تأليفه.
الموسيقار راجح داوود
 
 
حملة تضامن
وتصاعدت الأزمة بعد قيام عدد من مؤلفي الموسيقى التصويرية، بالتضامن مع داوود، بينهم عمر خيرت وشادي مؤنس وتامر كروان وخالد الكمار وعادل حقي وجورج قلته وغيرهم، منتقدين اجتزاء موسيقاه، وإعادة استخدام أعمال موسيقية قديمة له، كما أصدرت رابطة المؤلفين والملحنين المصريين بياناً أعلنت خلاله التضامن مع داوود.
وأثارت هذه الواقعة المناقشات والسجالات على مواقع التواصل الاجتماعي حول أحقية المخرج القيام بذلك، وكون ذلك يعد مساساً بحقوق الملكية الفكرية والأدبية من عدمه.
بدوره، كتب الناقد الفني عصام زكريا على صفحته الفايسبوكية قائلاً: “بغض النظر عن تقييمنا لمسلسل “سره الباتع” ورأينا في خالد يوسف وعمله، من حقّ المخرج أن يختار ما شاء من مقاطع موسيقية، سواء الموضوعة خصوصاً للعمل أو أي موسيقى أخرى بشرط مراعاة حقوق الملكية وسداد مستحقات المؤلفين الآخرين والإشارة إليهم في التترات؛ وهو ليس ملزماً بأخذ الموسيقى التي وضعت خصوصاً للعمل؛ وهناك مئات الحالات لمخرجين كبار لم يلتزموا ما وضعه المؤلف المتعاقد على العمل، وثمة أمثلة كثيرة شارك فيها راجح داوود نفسه”.
سره الباتع' يشد جمهوره بكثرة أخطائه | MEO
بينما قال الناقد أحمد سعد الدين في تصريحات لـ”النهار العربي: “في صناعة الأعمال الفنية هناك قوانين وهناك أعراف، والطبيعي عند التعاقد مع موسيقار كبير، يتحتم على المخرج أن يخبره بكل ما يريد من الألف للياء، وهذا هو القانون، وعندما تكون المقاطع الموسيقية غير كافية، عليه العودة إلى الموسيقار لتزويده بها، خصوصاً عندما يكون موسيقاراً كبيراً مثل راجح داوود، وما دام المخرج قد ارتضى أن يقوم بالموسيقى التصويرية فعليه أن يأخذ الموسيقى ككل، أما “العرف” الموجود، سواء في مصر أو خارجها، فهو منح المخرج الحق أن يقوم بإضافة أو حذف مقاطع موسيقية أو حتى إضافة أغاني مختلفة يراها ملائمة للعمل، ووفقاً للرؤية الدرامية.
وأضاف سعد الدين: “لكن المشكلة في هذه الحالة أن المخرج لم يستأذن راجح داوود، لكن من جهة أخرى من حق المخرج أن يفعل ما يراه لأنه صاحب العمل بالكامل، والنجاح والفشل ينسب له، كما أنه من حق داوود أن يخرج ببيان يعلن فيه أنها ليست موسيقاه كي لا يتعرض للوم”.
وأوضح سعد الدين: “نحن أمام شخصيتين يرى كل منهما أن وجهة نظره هي الصحيحة، والعرف السائد في العالم يميل لمصلحة المخرج، فهو ليس مسؤولاً عن الموسيقى فقط بل كل عناصر العمل، فالعملية الإبداعية قائمة على عقلية المخرج بوصفه قائد العمل”.
وأضاف: “العملية الإبداعية معقدة جداً لكنّ المخرج هو المسؤول الأول والأخير، وأدبياً كان عليه إخطار داوود، وإذا لم يقبل فمن حق المخرج أن يفعل ما يراه مناسباً، ومن حقه عدم الاستعانة بالموسيقى ككل إذا أراد، ويحوّل كل شيء رأساً على عقب”.
ثمة مشكلة أكبر تتعلق بالموسيقى التصويرية في الأعمال الفنية، وهي أن 90 في المئة منها تُصنع وفقاً للسيناريو وليس العمل بعد تصويره، وهناك فارق كبير لأن المخرج قد يحذف مشاهد أو يطيل أخرى أحياناً، وقد يصنع الموسيقار موسيقى لمشهد 25 ثانية فيخرج المشهد 40 ثانية، ومن هنا يحدث الخلل.
وهو ما يؤكده سعد الدين لـ”النهار العربي”، ضارباً المثل بالموسيقار مودي الإمام الذي يقوم بعمل الموسيقى التصويرية على النسخة الأولى من مونتاج العمل الفني، وليس على السيناريو لتجنب مثل هذه الحالات.
 
بين الهجوم والتأييد
وانتقد عدد من رواد التواصل الاجتماعي ما فعله يوسف واعتبروه تصرفاً غريباً ويجافي المهنية، بينما اعتبر آخرون أن ثمة حالة تربص بالمخرج وتصيد للأخطاء والتركيز عليها حتى لو قليلة، معتبرين أن هذه الحملة لا تستهدف مسلسل “سره الباتع” بل مخرجه.
فهناك من يحكمون على المخرج الشهير ويحاسبونه بمقاييس أخلاقية أو سياسية، خصوصاً أنه لا يمكن فصل يوسف كفنان ومخرج وسياسي عن بعضهم البعض، وحتى مسلسله ومعظم أعماله سياسية، لكن المشكلة تكمن في الحكم الأخلاقي لا الفني.
ويتوافق سعد الدين مع هذا الرأي بقوله: “عند الحديث عن يوسف، نجد بعضهم قد حول دفة الحديث إلى تقييم حياته الشخصية وأخلاقياته، بينما النظرة الموضوعية تحتم الحكم على منتجه لا أخلاقياته، المشكلة حالياً هي خلط العام بالخاص والخاص بالعام، يمكنك أن تحب أو تكره خالد يوسف هذا شأنك، لكنّ الحكم على عمل فني مثل “سره الباتع” يكون بمقاييس فنية وليست أخلاقية.
ويرى سعد الدين أن يوسف صنع “سره الباتع” جيداً، حيث صنع فارقاً بين زمنين هما وقت الحملة الفرنسية والزمن الحالي، وأجاد الربط بينهما صانعاً صورة رائعة، كما أنه امتلك جرأة في الطرح لم يفعلها أحد منذ سنوات عبر الاستعانة بمشاهد وحوادث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، والتي لم تظهر خلال السنوات الماضية، لكن البعض ينحي كل ذلك جانباً ليتحدث عن أخلاقياته وحياته الشخصية.
وهو الرأي الذي يتبناه الناقد عصام زكريا الذي كتب على صفحته على “فايسبوك”: “للأسف وكالعادة الموقف من العمل وشخصية مخرجه تجعل الناس تتجاهل (أو هي جاهلة أصلاً) بديهيات حقوق المخرج، وأعتقد لو كان هناك إعجاب عام بـ”سره الباتع” ومخرجه لما ظهر هذا الاحتجاج حتى من قبل راجح داوود نفسه، قل رأيك في العمل كما تشاء لكن لا تخلط الأوراق ولا تكِل بمكيالين ولا تفقد الموضوعية، فالعواطف تقود الأحكام كالعادة.
نقد غير متخصص
بينما يلفت الناقد أحمد سعد الدين النظر إلى قضية أخرى وهي تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة لنقد ومحاكمة الأعمال الفنية، سواء من متخصصين أو جمهور عادي، كما أنه جرى التركيز على أخطاء صغيرة مثل مشهد ارتداء أحد جنود الحملة الفرنسية حذاءً حديثاً ضمن الحوادث، إذ يوضح لـ”النهار العربي” قائلاً: “ثمة مشكلة نعانيها في كل المسلسلات وهي قوة مواقع التواصل الاجتماعي التي تركز على كل لقطة لتتصيد أي خطأ، وبعض من يفعلون ذلك غير  متخصصين أو مؤهلين، وليس لديهم قدرات نقدية، بينما أعمال كثيرة شهيرة وتعتبر من أيقونات الدراما والسينما مثل “ليالي الحلمية” أو “العار” تتضمن أخطاءً، لكن وقت عرضها لم تكن قد انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن النقد الفني كان موضوعياً وعلى يد متخصصين آنذاك”.
هبة ياسين —-النهار العربي

اترك رد