منبر العراق الحر :
يقف المهوال أمام السياسي العراقي الدمج فتنطلق جنجلوتية التمجيد والتعظيم والتفاخر بأمجاده الوهمية فيعصر المهوال كل ماعنده من محفوظات للحصول على التكريم الدسم، عندها يتملك السياسي شعورا ً بأنه فعلا بهذه الدرجة من العظمة والتميز والأكتمال، فتنتابه مشاعر صدامية عندما كان يحضر مهرجانات الشعر ويشاهد مهاويل المقفى يصرخون ويتقافزون كالقرود أمامه .
معادلة المهوال يبيع والسياسي يشتري، تحضرني وأنا أشاهد لعبة التنبؤات التي تقرأها اللبنانية ليلى عبد اللطيف مرفقة بشيكات دولارية كبيرة متحولة من دوائر مخابراتية ، وكيف يتداولها الناس وكأنها مسلمات تعفيهم عن التفكير والتسليم لما تقوله المتنبئة ، اشاعة مناخ الوهم والتسليم بالخرافة تكرسها أيضا ً ظاهرة الكسل وعدم بذل الجهود بالتفكير والتحليل العقلي وتفضيل الاعتماد على الغيب والدعاء والقدرات الخارقة (المزيفة) لبعض فئات المجتمع ، هكذا وجدت هذه الأجواء تدفع العديد من طلبة السادس الاعدادي الذهاب الى الشيخ الفلاني والسيد العلاني ليقرأ له الدعاء على اقلام امتحان البكلوريا لكي ينجحوا . في سنة السادس الاعدادي كنا بحالة هروب من رجال الأمن ، نهرب من مكان لآخر مابين الحدائق وبيوت الاصدقاء والسفر ليلا لأحدى المحافظات القريبة لتعود الى بغداد فجر الغد ، كان الصديق حمزة الحسن يبتكر لنا أماكن لاتدركها عقلية رجل الأمن ، وبرفقة هروبنا كتاب الفيزياء أو الكيماء ومعه ديوان الأخضر بن يوسف ومشاغله وتحت أعواد المشانق لفوتشيك .
المفارقة الآن أن الجهل ينتشر والثقافة تنتحر وتتلاشى مع تطور العلم ومنجزاته وانتشار المعرفة التي تتيحها وسائل الإتصال والميديا ، إنكسارات إنسانية ضخمة عنوانها الهمجية التي يرجعها الشاعر والمفكر الفرنسي ” هنري ميشو ” الى هيمنة الايدلوجيا التي تقصي الثقافة عن العلم كما يبلور ذلك في كتابه (الهمجية /زمن علم بلا ثقافة) ، إذ يدعو لإقصاء الآيديولوجيا لكي تعود الثقافة لوثباتها الأولي في بلورة وعي الإنسان وعلاقاته مع مصادر المعرفة الحسية والجمالية ، وازدهار الثقافة بتنوعها الفلسفي والمعرفي لكي لايصبح العلم بلا ثقافة وعندها تسود الهمجية ، تلك المثابة المعرفية أجدها تتجلى الآن في أكثر مجتمعات عالمنا العربي وإنحطاطه الثقافي بسبب تموضع الآيديولوجيا الدينية بصورها المتعددة في مفاصل العلاقات الاجتماعية والحياة بنحو عام ، أن ابرز صور تراجع الثقافة وسيادة الأمية والهمجية نجدها بمظاهر التعبير والسلوك الفردي والجماعي ، الأمر الذي جعلنا شعوبا ً متناحرة متقاتلة ومتأخرة ، نستورد نتائج العلم والمعرفة ونعبأها بأطر وعي ديني وانتماء مذهبي يحفر عميقا في عوالم الغيب والوهم والخرافة .