عن نهار في سمر ــ قند….. نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
كانت نزهة رومانسية ، أحتفت بشيء لذيذ مما يمكن ان تحمله الينا متعة السماع لأغنية رباعيات الخيام في تلك الليالي البعيدة التي كنا نجمع فيها أربع وجوه هي : الخيام وأم كلثوم والسنباطي وأحمد رامي ، والوجه الخامس لأنثى عذراء هي حبيبة او زوجة أو دمية نعشق مشيتها وهي ذاهبة الى السوق أو مدرستها ذلك لأن أغلب المعلمين يحبون ويعشقون المعلمات .
اما الجنود فهذه الاغنية تأتيهم في الليل ، يعيشون النشوة معها ،ولكنهم لايعرفون لاكاتبها الاصلي ولا مترجمها عن الفارسية ولا ملحنها ، بل يعرفون صوت مطربتها فقط ، المثقفون والمعلمون من الجنود يعرفون هذا الرباعي فتكمل عندهم لذة الاغنية في السماع وفي الحنين وفي الشوق .
كانت أغنية للحظات العشق وكانت تصلح لتكون ورق لدفاتر الذكرى ، وهي أكثر المحسوسسات الروحية التي جمعت لحظة البوح بين العربية وشاعر من غير قوميته .
شرحت هذا لبهيجة التي أرادت أن تعرف ما أقصده أن رباعيات الخيام هي الاقرب متعة مترجمة من لغة اخرى الى العربية ثم تغنى .وأخبرتها أن المترجم الى العربية من اغاني لاتصلح لحنا ومذاقا للسماع العربي لأننا طربيون ونحتاج لأن تكون في الكلمة شحنة موسيقى بصدى شرقي لتقترب من ارواحنا ، وقد نجح الامر مع رباعيات الخيام فقط .
وقتها قالت بهيجة : أعرف الفارسية جيدا ، وسأحول أن اترجمها الى الاوزبكية فلعلها تصلح لتكون اغنية كما فعلها ملحنها العربي.
قلت :لاظن ، لأن العربية لغة صدى واجراس .اما لغتكم الآرية ذات الأصول التركية فهي تصلح لتكون لغة تضاريس محددة واغلبه جبلياً وتسكنه النايات ، فيما العربية تتنوع فيها كل آلالات.
قالت : أجرب .
قلت : جربي وابعدينا عن صدى اللغات في ارواحنا ، ولنبقي صدى الذكريات والكمانات ودموع الجنود .
قالت : ما بها دموع الجنوع ؟
قلت :مثل الرباعيات تبحث عن سر الوجود ، فالموت فوق تلك الربايا لحظة متوقعة . لكنه قد يختلف عن الموت في بيئة قرى الماء.
قالت :لا أحب ان يكون الموت حاضرا في طقس قبلات الخد ودكة الصوفيين والرباعيات .انا اعرف انه سيأتي ذات يوم ، ولكن ساهرب منه حين اشعر ان خدي يشتهي فمك ، وايضا كان الخيام يهرب منه بطرب القصيدة وتأكل الافلاك ،وأهرب عنه أنت بفصل جديد لروايتك عنوانه مرتبطاً بقبلة خد أسمها بهيجة .
لكني اعترف لها أنني أعجز أن أهرب من ذكريات الربايا ،والوجوه الطيبة التي غادرت احلامها وتركت أجهزة المذياع بدون سامعيها .
قلت بحزن :ولماذا تصر لتستذكر معي هكذا نوع من الحزن .؟
قلت :هو يفرض نفسه .
قالت :سأتحدث لك عن الموت عشقا .
فتسكيني ابتسامة واقول :الموت عشقا يمارسه المنتحرون ، والصوفيون ، لكن موت الجنود هو موت الشظية والرصاصة وربما جفاء حبيباتهم .
عادت ومعها سؤال مفاجيء. وهل يموت أهل قرى القصب من العشق .
قلت :موت العشق يتواجد في كل بيئات الارض ولكن بنسب متفاوته ، وربما موت الأهوار له شهية أخرى.
وبهدوء أبعد خدي عن فمها لتختلط شهية الغرام بشهية لحظة موت بعيدة حدثت ذات صباح من صباحات الاهوار .

اترك رد