منبر العراق الحر :
توفي اليوم الفيلسوف والمفكر نعوم جوميسكي . وعند بقايا ذكرى قراءاتنا له التي تحتاج الى قراءة العقل الواعي تماما أكتب آخر خواطر عن هذا الظل العبقري في تفسير غموض اللغات ومقاصدها وخطاباتها الحضارية .
فمن قراءاتي لكتب عالم اللغة ومنظر الرؤية الامريكية الجديدة في علم اللسانيات نعوم جوميسكي أكتشفت ( إن الهوية الوطنية لاتنفصل عن هوية النطق بدءاً من الخطاب السياسي وأنتهاء بالمحاضرة الطبية عن الأيدز أو حتى محاضرة درس أشارات المرور في شوارع المدن ،ولأن الأحمر هو الخطر دائماً ، فأن الكلام مثله هو الخطر دائماً..)..
وجوميسكي ينظر دائما بأن البنية الأجتماعية تقوم على بنية اللغة ،أي أن الخطاب الذي يصدره الآخر الينا يمكن رفضه أو قبوله من خلال تفسير الدالة اللغوية التي يحملها ،ولكنه خطاب العقلانية .
بين جوميسكي وما يحدث يترنح العالم اليوم بسبب تلك الكوارث التي تأتي تباعاً ، كوارث الطبيعة وكوارث الأنهيارات المالية وأخرى تصنعها البدلة المرقطة أو عمائم طالبان وسكاكين داعش وحزن غزة وحرب اوكرانيا والسودان ، عالم قلق على حافة هاوية الركود وضياع الهويات ،عندما لا يجد المرء نقطة ينتمي اليها بصدق العبارة الجيفارية التي تقول ( أضع تراب وطني على جبيني وأمضي الى حقول الذرة لأنتج لحياتي معنى )..
الآن المعنى يكاد أن يختلف ، لاشيء تدرك فيه تلك الومضة القديمة من حلم ان تعيش ليلتك ومذياع الفليبس ينام في أحضانك ،الآن روتانا هي من ينام في أحضانك وتقارير السباق الرئاسي بين بايدن وترامب ،وكأن امريكا هي امنا وعشيقتنا وشيخ العشيرة ، وغدا إن أردنا ان ننسى أسى هذا العشق نذهب الى ذكريات البار مثل الذي يذهب الى الوردة ليعوضها بدل المرأة التي هجرته.
اللغة هوية العقل .وهوية الروح ضفائر المرأة ، هكذا يكتب أهل الهيام عندما يدركهم وعي اللحظة ، ولكن ما هو ادراك أهل السياسة ..؟ فقد يلهي وجع اليوم المضطرب هذا السياسي حتى عن كَي قميصه ،وربما تراه يُنَظرُ لفراغ الكلام وهو يترنح بين تهديد ووعيد ،فيما هذا البسيط ،المؤمن ،عامل الورشة وبستاني الحديقة ومعلم المدرسة ومصلح مولدات الكهرباء ينصت ، فقط لينصت وهو يعلم إن الوعود لاتجود ..فمثلاً أحدهم وهو مسؤول كبير يقول إن زيادة الرواتب ستبقى ما دامت الدولة وهم باقون ..يتساءل وزير التخطيط ..كيف تبقى والبترول ربما سيهبط في القادم من الأيام ،ونحن حسبنا الميزانية على 80 دولارا للبرميل على أقل تقدير أي إن البترول إذا هبط الى هذا السعر على البلاد أن تحذف 45 مليار دولار من موازنتها .
هذا يعني إن كل شيء سيترنح ..راتب الموظف ، المشاريع التي ينبغي ان تنجز واهمها المجمعات السكنية ومحطات الكهرباء ومشاريع الماء والصرف الصحي وصفقات الغذاء.
أشياء كثيرة ..ولكني كمواطن لا أدعي عشق البلاد التي ولدت فيها ،ولكني احبها كما يحب البابلي جنائنه المعلقة ، اتمنى أن يصعد البرميل الى 200 دولار ليموت جوع البطون وليمل المفسدون من تخمة المصارف والعقارات ويعودون الى منطق اللغة والعقل الذي أشار اليه إبن عمنا وحبيبنا ومن الفخذ السابع لأكبر عشائرنا نعوم جوميسكي قوله ( إن اللغة تمنح العقل وضوح الرؤيا ) ، هذه العبارة قد تترادف مع قول قديم للدرويش المتصوف ( النفري) ، عندما يقول كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ) ..ترى أي قول من هذين القولين نحتاجه اليوم ..؟!
كل التفاعلات:
د. حامد الشطري، وAmir Doshi و٣٤ شخصًا آخر