منبر العراق الحر :
أنجزت الدول الغربية أكبر مكتسباتها السياسية والفكرية والثقافية ‘ حين أعادت بناء وتوسيع دائرة البحث الفكري والعلمي ‘
وأعادة النظر بمفاهيم كثيرة من ضمن المواقف والافكار والنظريات ‘ وأن كل الحروب التي مرت بها والكوارث والاحداث التي عصفت
بها لم يثنيها عن بناء مشروع الدولة الحديثة .
أدركت النخب هناك أن حبس المجتمع في منظار اليأس والمأساة النفسية والاحباط ‘ لا يمكن لها أن تبني مشروع حياة وتطور وتغيير .
لذلك حاولت هذه الشعوب أن تتجاوز محنتها .
لا يمكن حصر التجارب التي مرت بها تلك الدول ‘ فهناك تجربة فرنسا وهولندا والمانيا والاتحاد السوفيتي واليابان ‘
التي مرت بظروف قاسية من الحروب والخراب ‘ لكن وسط تلك العواصف ظهر كتاب ومفكرين وعلماء ومصلحين ‘ كانوا يدعون الى تضميد الجراح والخروج من متاهة الماضي والخيبات ‘ وصناعة أمل وسعادة للانسانية ‘ واحترام الحياة والدعوة للحب وسط رائحة الموت ‘لان الغاية من ذلك أن المحبة هي من توحد المجتمعات ‘ وتجعلها ارقى واجمل .
ولان الانسان قبل الاوطان كان الركيزة في مشروع البناء ‘ لذلك تأسست تلك البلاد على بناء العدل المجتمعي والتسامي على المأساة ‘ والبدء بفتح نوافذ جديدة من خلال بناء المؤسسات والمناهج العلمية والفكرية ‘ وعدم اجترار الماضي .. والاتجاه للمستقبل من خلال ضبط القوانين والقوى ‘ المحركة للمجتمع عبر مراحل متدرجة ‘ وهو أسمى غاية لبناء مشروع الدولة ‘
حتى وصلت بعض الدول الى ما بعد الدولة ‘
كان الرهان الاساسي على الثقة بروح الانسان ‘ لانها الاصل في المحافظة على روح التحدي ‘
ولم تكن تلك النخب تتوارى عن المشهد الحياتي ‘ وتدفن رؤوسها في الرمل كما يحصل للكثيرين الان .
بل كانوا يصرخون ضد الكراهية والخراب والفشل ‘ والانتصار للانسان وقيمه وكرامته ‘ من أجل اعادة أنتاج الذات من جديد .
وبالعودة لنا .. هل أستطاع العقل النخبوي العراقي ‘ سواء كان سياسياً أم ثقافياً أم قوى مجتمعية مختلفة ‘
من تجاوز المحن التاريخية التي مرت بها الى فضاء البناء والتغيير ؟
الكل يعول على أن التغيير يجب أن يكون من قمة الهرم ‘ قد يشكل هذا الرأي تنصل وكسل وعجز وأتكالية ‘ في أطار التغيير الداخلي وليس الشكلي كمسؤولية أنسانية ‘ في أعادة مفهوم بناء الانسان ثم الدولة ‘
لكننا لحد الان لا نرى الواقع الا من منظار العطب الداخلي ‘ وذهنية الخراب التي مررنا بها .
لم نؤسس الى حداثة نقدية كما فعلت الدول والمجتمعات التي خرجت من الحرب ‘ لتقويم عناصر بناء المؤسسات والدولة .
بل أعتمدت بعض الكتل السياسية على عناصر أنتهازية ووصولية نفعية ‘ قدمت صورة مزيفة وخادعة عن الواقع ‘ وهذه العناصر فارغة المحتوى من أي مشروع حقيقي ممكن الرهان عليه .
لا يمكن بناء وتأسيس دولة عصرية حديثة ‘ بدون الاعتماد على القاعدة المجتمعية العريضة وان نخلصها وننقذها ‘ من الكثير من الترسبات والامراض الاجتماعية ‘ وفوضى عدم أحترام القانون واحترام الدولة كمنظومة قيم نظيفة .
وهذه ليست مهمة النخب السياسية فقط ‘ وانما هي مهمة ( المفكرين والمصلحين والمثقفين واصحاب الرأي) .
نحن أمام مسؤولية أعادة تأسيس مشروع بناء الدولة الحديثة على أساس ‘ أرادة قانون الدولة وهي أرادة حرة تمسك بزمام الاصلاح والبناء وتأسيس ألاستقرار .
٠