الأب لا يعرفُ تعريف الوطن؟ نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :
الوطنُ لا يصلح أن يكون قصة لقدر ما ، ولا يصلح لأن يكون قصيدة فقط. هذا ما اعتقدتُ حين شعرتُ أنني أصبحتُ مثقفاً وموهوباً ، لكني أكتبه الآن كقصة حول علاقة العراق بأبي وآباء الكثيرين من أصدقائي الفقراء ، فأغلبهم ومنهم أبي لا يعرفون من هو العراق بالضبط .
سألت أبي ذات يوم إن كان يعرفه ؟
قال :هو البر الذي تعيش فيه خلق الله والعشائر.
وهو يعني أنَّ العراق هو أرض الله كلها ، ربما لأنه حتى في سفره لزيارة الإمام الرضا في إيران ذهب بطريقة التهريب عن طريق هور الحويزة.
وحين أخذوا أخي الأكبر للجندية مكلفاً عام 73 وشاهده يذهب إلى الجولان ،وإلى خليفان في الشمال أعدتُ عليه السؤال ثانية : إن كان يعرف ما هو العراق بالضبط ؟
قال : هذا الذي يحاربُ أخوك اليهود من أجله.
ــ وهل تعرف أين يقع ؟
ــ اسأل أخيك عنه، فهو من ذهب اليه.
وقتها أدركت أنَّ الوطن وتسميته عند أبي هي المسافة التي يخطوها كلَّ يوم من البيت إلى علوة القمح ذهاباً واياباً.
وقد يتعداها في الليل ليذهب إلى مجالس العزاء الحسيني في بعض بيوتات الناصرية ،ولكنه حين أصبح يشكو ألماً في ساقيه وأضلاعه وجوفه كنا نأخذه إلى الدكتور عبد الحميد السالم فيعطيه حبوباً تفرحه كثيراً لأنها تخفف من آلامه ، وحين نغادر عيادة الدكتور ينظر إلى يافطة الطبيب البيضاء ويقول لي : هذا هو العراق الذي تسأل عنه.
وقتها أدركتُ أنَّ أبي يشعر أنَّ من يخفف الألم عن أكتافه يصبح بالنسبة له وطناً.

اترك رد