بعض أسرار آلعشق …. بقلم ألعارف : عزيز الخزرجي

منبر العراق الحر :


و إنّ أهل بيت رسول الله (ص) هم خير مَنْ عبّرَ عن فلسفة العشق و أبعاده, لكن للأسف قصّر العُلماء و المراجع في هذا الجانب و حتى الذين ذكروه هنا و هناك, فأنهم إنطلقوا بناءاً على إشارات من بعض الذين كان لهم الحظ في نيل العرفان الذي هو الأهمّ الذي جعله الله نهجاً للسّعداء, فيفترض وضعه في أوّل فصل من كتاب العبادات وحتى المعاملات لتكون مقبولة و فاعلة و هادفة في أوساط المقلدين, بدل الجفاف و القساوة و رائحة الحزم و الجزم و الحدّية التي طغت على مجمل الفتاوى و الخطاب الإسلامي .

قال مدّعوا الحُبّ و العشق :

[إذا رأيتَ البياض قد لاح  شعرك ؛ فاعلم بأنّ آلأمنيات لبست أكفانها].

و قلتُ : ما دُمتَ تعشق ألجّمال – أيّ الله – فإنّكَ تعيش عنفوان الشباب أبداً بقوّة الحُبّ

و قال ألمسيح(ع) :نقيض الحُبّ ليس آلمَقت بل اللامبالاة!
 ..إنّها آلّلامبالاة؛ و عكس ألفنّ ليس آلقُبح؛ إنّما آلّلامبالاة .. وعكس الحياة ليسَ آلموت؛ بل اللامبالاة .. الذي بسببه يموت المرء قبل أنْ يموت بالفعل.. (الترجمة ألعربية من آلنّص الأنكليزي الذي ورد في الهامش بلا تصرف)(1).

و سُئل الإمام الصادق (ع) عن العشق المجازي(2)، فقال : [قلوبٌ خلت عن ذكر الله فأذاقها الله حُبّ غيره] (3).
فالقلب لا يمكن أن يكون مجرّداً و خالياً من كلّ عشق و من أي تعلق و لو للحظة من اللحظات بما في هذا الوجود و قد ينطبق هذه الصّفة حتى على الحيوانات و المخلوقات الأخرى, بل المحبة هي سبب وجود الخلق عموماً, فإنّ هو خلا من حبّ الله تعالى أحلّ آلشّيطان آلعشق المجازيّ فيه – عشق ما دون الله – ليحلّ بدل العشق الحقيقيّ, فحين يضعف ارتباط الإنسان بالمعشوق الحقيقيّ, أو تنقطع علاقته به؛ فان الشيطان و بواسطة قوة التخيّل و التصور يدخل قلب الإنسان عن طريق قوّة جذب ماديّة معينة و الأمر يبدأ أولاً بشكل مودة لتصل بعد مدة قصيرة إلى العشق الذي يعدّ بلاءً .. بلاءً يسقط  حتى عفّة إمرأة متزوجة، و يسقط دين رجل عالم متزوج، و مُروّة و إنصاف مسؤول أو رئيس , و أخيراً يجعل الشباب في مأزق و يزل الفتاة العفيفة و الشريف و يُمحق الحياء و الدِّين  الذي بعدها المسخ والعياذ بآلله, لكون [الدِّين و الحياء توأمان؛ إنْ ذهب أحدهما ذهب الآخر].

ذمّ العشق(ألمجازي):
للأسباب أعلاه والتي توصل الأنسان حدّ المسخ بات العشق المجازي منبوذاً و ثانوياً خصوصا عند أهل الأيمان و الأنصاف و المرؤءة

لأن القلب الذي هو جوهر الأنسان و مكان العشق؛ لذلك فأن الفلسفة الكونيّة تُحذر السالكين نحو المعشوق الحقيقي من جعل غير الله فيه, لأنه الوحيد الذي يستحق القلب, إنه المعشوق ألّذي قال لعاشقه: [لم تسعني أرضي و لا سمائي ؛ بل وسعني قلب عبدي المؤمن], لذلك :

قال الإمام علي (ع): [الهجران عقوبة العشق](4).
 وعنه أيضاً : [ربّ صبابة غرست من لحظة](5).
وعن الإمام الصادق (ع) – لما سُئل عن القلب المغمور في العشق ألمجازي, قال؛

[قلوب خلت عن ذكر الله فأذاقها الله حُبّ غيره](6).

عاقبة العشق ألمجازيّ:

عن الإمام علي (ع): [ من عشق شيئاً أعشى (أعمى) بصره و أمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة و يسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، و أماتت الدّنيا قلبه](7).
 وعنه (ع) : [إنك إنْ أطعتَ هواكَ أصمّك و أعماك، و أفسَدَ منقلبك و أرداكَ](8).
وعنه (ع) : [الهوى شريك العمى](9).

ثواب من عَشَقَ و عفّ :

 عن رسول الله (ص) : [من عَشَقَ فعفَّ ثمّ مات، ماتَ شهيداً](10).
 وعنه (ص) : [من عشق فَكَتَمَ و عفَّ فمات فهو شهيد](11).
وعنه (ص) : [من عشق و كتم و عَفَّ و صَبَر، غفر الله له و أدخله الجنة](12).
الإمام علي (ع) : [ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً مِمّن قَدَرَ فعفّ](13).

عشق الله هو العشق الحقيقيّ الذي يتعدّى كلّ العشوق المجازيّة:

رسول الله (ص): يقول الله عز وجل: إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بغيته و لذته في ذكري، فإذا جعلت بغيته و لذته في ذكري عشقني و عشقته فإذا عشقني و عشقته رفعت الحجاب فيما بيني و بينه و صيرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس(14).

كيف يتحقق العرفان و الحكمة في وجود العاشق؟

ألفلسفة الكونيّة خصصت مكانة خاصة للعرفان(15) الذي يأتي كآخر مرتبة في طريق السير و السلوك المعرفي, حيث حدّدت معايير حساسة و دقيقة لنيل الضّالّتان (العرفان و الحكمة), و يتحقّقان حين يتّسق العشق المجازيّ مع الحقيقيّ في بوتقة واحدة, و هذه من أعقد المعاناة التي يبتلى بها السالك السائر – المهاجر لله تعالى بعد عبور المحطات الكونية السبعة(16) !
ألعلاقة الأيجابية تتحقق بين العشقيّن (ألمجازي و الحقيقيّ)؛ فيما لو كان العاشق عاملاً بما يلي آلأحكام الشرعيّة و الغاية من أدائها و لا يخرج من طور الأيمان معها نحو الرّذيلة و التّعدي أو تجاوز الأحكام الشرعيّة التي وردت في الرسائل العمليّة حتى لو كان مقابل كرسي السلطان, و تلك هي الحالة المُثلى ألّتي ينبغي إدراكها و العمل بها.

ألعشق عند آلعربيّ و باقي البشر قبل وصول الحالة الأنسانية ثم الآدمية (17):

هو/هي: حالة فريدة يتعطل بحلولها العقل الظاهر و يُفَعّل العقل الباطن لحدود لتجرف الرّوح و القلب و الحواس نحو الشهوة الخفيّة ليقذفهُ ذلك العشق مِن ما يلي البطن فيجعله قاعاً صفصفاً !
هو مثل ما قال الشاعر :
[و آلحبّ إنْ قادت مراكبه الأجساد .. إلى فراش من الّلذات ينتحرُ] نعم ينتحرّ لأنّه عشق مجرّد من المعرفة لا جذور له مثل الحُبّ الواعي.
أما الدرجة العظمى (الأوبتيمم) الذي يصله العاشق / العشق, هو : ما ذلك المتعلّق بآلمعشوق الأزلي الوحيد الذي يستحقه لوحده و معهُ يتحقّق الخلود في وجود العاشق الذي عبر مدن العشق السبعة, و عرف جواب [الأربعون سؤآل](18):
[أبداً لن يموت الذي أحيا قلبه بآلعشق .. إنّهُ مُخلّد بقائنا في هذا الوجود]!

اترك رد