ما زالت السعودية منبعا للإرهاب والتعصب الاعمى …رياض سعد

منبر العراق الحر :…السياق التاريخي والسياسي للسعودية:

تعود جذور تأسيس المملكة العربية السعودية بالشكل الحالي إلى تحالف تاريخي بين آل سعود وآل الشيخ (ابناء محمد بن عبد الوهاب) في القرن الثامن عشر، والذي تم بموجبه توزيع السُّلطات: السُّلطة السياسية لآل سعود، والدينية لآل الشيخ… ؛ وقد لعب هذا التحالف، المدعوم من القوى الاستعمارية البريطانية آنذاك، دورًا محوريًا في صياغة الهوية السياسية والدينية للدولة الناشئة، والتي ارتكزت على تفسيرٍ خاص للإسلام يُعرف بالوهابية، تميَّز بمواقف متشددة تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، لا سيَّما الشيعة والصوفية … ؛ وشكَّلتْ أسسُ الدولة الجديدة انقسامًا إسلاميًّا عبر تبني خطابٍ طائفيٍّ وتكفيري، يستند إلى تكفير الشيعة والصوفية وغيرهم، مع الدعوة للعنف تحت ذرائع دينية واهية؛ سعيًا لإرضاء الحلفاء البريطانيين وتنفيذ الدور المَرسوم.

وابتَدأ حكمهم بتدمير مَراقد أهل البيت والإساءة إلى مقدسات المسلمين، والتعامل غير الإنساني مع مواطنيهم الشيعة، بل وتحريض الأنظمة العربية والإسلامية على تهميشهم وإقصائهم.

ففي ذروة صراعهم مع صدام ، وبعد تعرُّض أراضيهم لغزواته العسكرية، تخلى النظام السعودي عن خلافاته معه عند اندلاع الانتفاضة الشيعية العراقية عام 1991، وضغطت على الأمريكان للسماح لصدام بقمعها.

ومثَّلَت البحرين نموذجًا آخر؛ حيث أرسلت السعودية جيشًا لقمع المتظاهرين الشيعة عام 2011، كما دعمت حربًا ضد شيعة اليمن، راح ضحيتها مدنيون عُزَّل.

أما في لبنان، فموقفها من حزب الله معروفٌ بدعوتها لإقصائه، ولها تاريخٌ في تأجيج العنف ضد الشيعة من باكستان إلى أفغانستان ؛ ومن افريقيا الى اسيا .

ولا يُخفى عداؤها للعراق وأغلبيته الشيعية، لِما يمثله من مركزٍ للتشيُّع، واصطدام عقيدته الصلبة برؤية النجديين الظلامية.

وللسعودية سجلٌّ دمويٌّ في غزواتها التاريخية للعراق؛ ففي 1801م، هاجمت قواتٌ وهابية النجفَ لتدمير مرقد الإمام علي، ثم كربلاء عام 1802م، حيث ذبحت آلافًا ونهبت المقدسات.

كرَّرت الغزو عام 1803م، لكن النجفيين صدُّوها، وفي 1805م، فشلت محاولة تدمير المرقد مجددًا بفضل فتوى الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

واستمر العداء حتى العصر الحديث؛ فبعد 2003، دعمت السعودية جماعاتٍ مسلحةً في العراق، ووفقًا لرئيس الاستخبارات البريطانية السابق “ريتشارد ديرلوف”، فإن الأمير بندر بن سلطان أشار قبل أحداث 11 سبتمبر إلى خطةٍ لإبادة الشيعة، كما ساعدت داعش في احتلال الموصل 2014، مما أدى إلى مجازرَ كـ”سبايكر”.

ثم انتقلت الاستراتيجية السعودية إلى سوريا، حيث تحالفت مع تركيا وإسرائيل لدعم جماعاتٍ تكفيرية ؛ اذ تُواصِلُ جماعاتٌ مسلَّحةٌ مدعومةٌ إقليميًّا – ومنها فصائلُ تُنسب إلى “الجولاني” – ارتكابَ انتهاكاتٍ جسيمةٍ في سوريا، تستهدفُ بشكلٍ منهجيٍ الطوائفَ الدينيةَ كالعلويين والشيعة، تحت ذرائعَ سياسيةٍ وطائفيةٍ… ؛ وتتزامن هذه الأحداثُ مع صمتٍ مُريبٍ من قِبل جهاتٍ فاعلةٍ في المشهد الدولي، بينما تُثارُ تساؤلاتٌ حولَ دورِ دولٍ كالسعودية في تغذيةِ هذا العنفِ.

وها هي جماعاتٌ تكفيرية ارهابية تُنسب إلى حكومة “الجولاني” ترتكبُ أبشعَ جرائمِ الحرب بحقِّ الطائفة العلوية والشيعة وغيرهم من المدنيين… ؛ وبينما استنكرَ العالمُ الحرُّ تلك الجرائمَ البشعةَ، وأبدى أحرارُ العالمِ وشرفاءُ المسلمين استهجانَهم لأفعالِ الجماعات التكفيرية في سوريا، حتى وصلَ الأمرُ بالمؤسسات الدينية المسيحية والدولية إلى إدانةِ هذه الانتهاكاتِ والمطالبةِ بحمايةِ الضحايا… ؛ واذا بالمؤسسات الإعلاميةَ والدينيةَ السعوديةَ الوهابيةَ لم تُدِنْ هذه الأفعالَ، بل على العكسِ، باركتْ تصريحاتٌ لبعضِ رجالِ الدينِ المتطرفينَ عملياتِ “الجولاني” الوحشيةَ، التي شملتْ قتلَ الأبرياءَ وتدميرَ الممتلكاتِ… ؛ وقد صدمَتْ هذه الفظائعُ الرأيَ العامَّ العالميَّ والإسلاميَّ، بينما بدا الموقفُ السعوديُّ غارقًا في صمتٍ مُريبٍ، بل إنَّ بعضَ نشطاءِ التواصلِ الاجتماعي السعوديينَ عبَّروا عن فرحِهم بتلك الأحداثِ تحتَ ذريعةِ “محاربةِ النفوذ الإيراني”.

نعم يُمكنُ تفسيرُ هذا التوظيفِ السعوديِّ للجماعاتِ المسلحةِ كجزءٍ من صراعٍ جيوسياسيٍّ أوسعَ مع إيران، حيثُ تُستخدمُ الطائفيةُ كأداةٍ لتجييشِ الرأيِ العامِّ وتبريرِ التدخلاتِ… ؛ لكنَّ هذه الاستراتيجيةَ تُنتجُ تأثيرًا عكسيًّا؛ فتصاعدُ العنفِ الطائفيِّ يُعمّقُ انقسامَ المجتمعاتِ، ويُغذي كراهيةً تاريخيةً، ويُهددُ الاستقرارَ الإقليميَّ على المدى الطويلِ… ؛ فضلا عن ان هذا النهج العدائي ضد الشيعة متوارث في السعودية منذ عقود طويلة , ولا علاقة له بالنظام الاسلامي في ايران .

وفي إطارِ هذا المشهدِ المأسويِّ، رصدَ مراقبونَ نحوَ 90 مليونَ تغريدةٍ من حساباتٍ سعوديةٍ تُدينُ انتقاداتِ المجتمعِ الدوليِّ لـ”الجولاني”، وتدافعُ عن جرائمِه ومجازره … ؛ بل ظهرَ في تسجيلٍ مصوَّرٍ أحدُ الأفرادِ السعوديين – بتفاخرٍ استفزازيٍّ – يُعلنُ نيَّتَه قضاءَ عطلتِه في الساحلِ السوريِّ مُستمتعًا بمناظرِه، مُتجاهلًا آلافَ الضحايا ومآسيَ الحربِ التي حوَّلَتْ المنطقةَ إلى ساحةِ حمراء مضرجة بالدماء …!!

لا يُمكنُ فصلُ تناقضاتِ السياسةِ السعوديةِ – بينَ خطابِ الإصلاحِ وممارسةِ الدعمِ للجماعاتِ المتطرفةِ – عن إرثِها التاريخيِّ في توظيفِ الدينِ لأغراضٍ سياسيةٍ… ؛ ورغمَ التغييراتِ الظاهريةِ، يبقى الحلُّ الجذريُّ مشروطًا بمراجعةٍ شاملةٍ لتحالفاتِ الدولةِ الإقليميةِ والدولية ، واعلان القطيعة مع نهجِ “العدوِّ المشتركِ” القائمِ على التطييفِ والتكفير واتهام الاخرين بالشرك والزندقة .

يثيرُ هذا التناقضُ تساؤلاتٍ حولَ جدوى دعواتِ الأميرِ محمدِ بنِ سلمانَ للإصلاحِ وعلمنةِ الدولةِ، خاصةً مع استمرارِ دعمِ جماعاتٍ تتورطُ في إرثٍ عنيفٍ… ؛ فكيفَ يُمكنُ التوفيقُ بينَ خطابِ التحديثِ وتحالفاتِ الماضي الدمويةِ؟

وهل يُمكنُ لنظامٍ ارتبطَ تاريخيًّا بخطابٍ طائفيٍّ أن يُصلحَ ذاتَه دونَ قطيعةٍ جذريةٍ مع تركةِ العقودِ الماضيةِ؟

لا أعتقد أن العقل الذي أوجد المشكلة يستطيع حلها… ؛ والحل الجذري، على ما أعتقد، يكمن بإزالة هذه الأنظمة الطائفية المتكلسة ؛ و اقامة حكومات ديمقراطية علمانية بشكل كامل وجذري .

 

اترك رد