قيم المجتمع المدني شرط النهوض الإنساني…كفاح جرجس

منبر العراق الحر :

لأن التعيين شرط الوضوح
و لأن الديمقراطية شرط السيادة و ضمانتها
و لأن قيم المجتمع المدني شرط النهوض الانساني

من المؤلم أن نرى دولاً تحترم شعوبها لتكون في مصاف السيادة و نرى نفسنا خارج هذه السيادة ( و ليس خارج السيادة إلا العبودية)
لما كانت السيادة هي الاسهام الحضاري الانساني و الاساس الحقوقي الديمقراطي و استقلال قضية الشعب و الارض بشكل كامل عن أي قضية أخرى
بهذا المفهوم إنني مؤمن بشعبي أنه قادر على الخروج من هذا النفق و مؤمن أيضا أن لا خلاص إلا بالوعي و انتصار قيم الحق و الخير و الجمال و الانسانية في داخلنا أولاً و مصدر هذه القيم هو حقنا في الاستقلال النفسي و الفكري و الاقتصادي، و بالتالي انتاح ديمقراطيته الضامنة للارتقاء بحياته، لذا قد يسود اليأس من الانكسارات المتتالية لكن علينا أن نعرف ان هذه نتائج و ليس ماهية أو هوية،

و لان التجارب اثبتت أنه لا انسانية عامة بخصوص مصير شعوب تريد النهوض تعيقه سياسات دول و أنظمة بنت كل حساباتها على ديمومة استنقاع ارادة الشعوب و تغييبها حتى المحق التام
لا بد من وعي أن واقع هذا العالم واقع مصالح و لا يمكن فهم و التعامل مع الانسانية إلا من باب ما هو حاصل و يحصل،
إن التعاطف مع طفل مريض او انسان مشرد أو امراة معنفة هو من طبيعة الأخلاق الفردية في كل مكان و هي عامة في هذا الاطار
لكن المفهوم يختلف عند درس سياسات الدول التي تقوم على استثمار هذه الفظائع الأخلاقية لتزيد رصيدها الشعبي في بلادها فيتم الخطاب لضمائر الأفراد لتزيد شرعيتها الشعبية و بالتالي القانونية في الداخل
مما يعطيها التماسك الداخلي اللازم لتستثمر هذا بشكل مختلف خارج بلادها بما يتناسب مع مصالحها كدول و شعوب حيث تضع مصلحة شعوبها في الاولوية الغير قابلة للنقاش بل هي قضية مُسلَّم بها و اذا تم النقاش فيكون الصراع لاختيار الطريقة الأفضل لتحقيق المصلحة الوطنية
و التي هي ذاتها معيار محاكمة السلطات إذا أدت سياساتها للضرر بهذه المصلحة على جميع المستويات اجتماعيا معيشيا اقتصاديا خدماتيا…..الخ

إن اي دولة يمكن أن تواجهها أزمات و صعوبات داخلية و لكن الفرق الجوهري هو :

ان الدول الديمقراطية وجدت السبيل لمعالجة الازمات و الاحتقانات الداخلية بطرق حقوقية قانونية و قضائية سلمية تمنع احتدام و انتقال الصراع من المستوى الفكري للمستوى المسلح،
و هذا ما لا نجده في الدول التي لم يتحقق فيها المجتمع المدني أو الدول التي سحقت مؤسسات المجتمع المدني و منعت امكانية انشاء هذه المؤسسات و هذا سيؤدي بالضرورة و بتناسب طردي لتكاثر المعيقات كمتوالية هندسية متسارعة، في طريق انتاح نظم و مؤسسات ديمقراطية
و هذا ما يؤدي إلى فشل قيام دولة المواطنة الحديثة
فتتصاعد الأزمات و يتعاظم الاحتقان دون أدنى فرصة لتخفيف وتيرتها،
هذا ما يجعل الفرصة مهيئة لينتقل الصراع للفكري داخل المجتمع إلى صراع مسلح نتيجة نفي الآخر و عدم الاعتراف به فنكون امام انفجارات عنقودية متتالية داخل المجتمع فتتدمر طاقات المجتمع و يضعف مشروع الدولة و تنتقل السلطة لتصبح سيطرة ارغامية و تسلط تعسفي و هذا هو تدمير ذاتي و انهدام من داخل مما يطال البنى الاجتماعية المعول عليها كحامل لحركة التغيير و النهوض مما ينتج فشل على مستوى الأداة و على مستوى الاستهداف لا سيما باستمرار النزيف الاقتصادي الاجتماعي القيمي الكائن بينهما،
و اولى مظاهره الخطرة هي ضياع مفهوم المستقبل امام الجيل الشباب الناشىء و تعميم قيمة اللاجدوى في كل المجالات و هنا تتضاءل قيمة الانسان للحد الادنى لدرجة يصبح فيها مفهوم الوطن و الاستقرار نكتة الجيل و دمعته و جرحه في آن معاً

إن الأمم التي شقت طريق المدنية و الاعتراف بالآخر و بحقوقه و كرامته كإنسان قبل أي شيء آخر وجدت نفسها في معنى أوسع لانسنة مجتمعها و خلقت المسارات الآمنة لمواجهة الازمات الناتجة عن دورة الحياة التي لا تتوقف و الحراك الفكري المصلحي ( من مصلحة الحياة و ليس المتفعة الفردية) للمجتمعات الذي ينتج زمنه الخاص فلا ضرورة عندها للاستنجاد بازمنة الجثث التاريهة المتعفنة انسانيا و مذهبيا
لهذا نقول أن التغيير ضرورة لانها من طبيعة الحياة و ديدنها التي لا يمكن حذفها أو تجاهلها أو عدم أخذها بعين الاعتبار لانها حقيقة اجتماعية كما هي حقيقة الجاذبية الأرضية.

جميع الدول المتقدمة انتقلت لما هي عليه بعد صراعات مريرة من مجتمع الفرد المطلق و السلطة المطلقة بنوعيها الاتوقراطية و الثيوقراطية( الفردية و الدينية) إلى مفهوم الانسان المطلق في كل فرد او ما يسمى الانسان- المجتمع..
فنجد في الأولى حلول اجتماعية يشارك الشعب عبر مؤسساته المدنية في صنع القرار القومي أو الوطني و هذا ما يسمونه و يؤمنون به مفهوم الامة ( Nation)

بينما في الدول الماقبل ديمقراطية بل يمكن القول ماقبل الدولة، لا نجد فيها إلا الحلول الفردية القاصرة مهما اتسعت، المتعسفة مهما عدلت و العاجزة مهما قدرت، عجزاً اخلاقيا و انسانيا و قوميا،
لذا يبقى هناك داخلها متنفس واسع لنمو جميع انواع العنصريات عائليا، مذهبيا، عرقيا، طائفيا، طبقيا، و حتى على مستوى مكان السكن، فتحل الفسيفساء الاجتماعية محل وحدة المجتمع ، و يحل مفهوم مكونات المجتمع مكان الاتحاد في الحياة في المجتمع و يحل الشعار الديني مكان الكرامة الوطنية، و تنتشر الوكالات الحصرية المذهبية العابرة للحدود
هذه بيئة غنية لنمو شوك العنصريات و تسهيل غير مسبوق للاصابع الغريبة شرقية كانت أم غربية و للايدي الأجنبية مباشرة أو بالوكالة، للعبث و النهب و لعب ادوار الباطل تحت عناوين الحق
تختلف القفازات لكن اليد واحدة

يصبح المجتمع ساحة لتصفية قواه محلياً بدل أن تكون الجهود لانتاج مستقبل يليق بالانسان و انتاج خلاص جمعي اجتماعي بدل الخلاص – الفردي- العنصري – الموت

إن كان هناك دول يطلق عليها لقب سيدة العالم
ألا يحق لانساننا أن يشترك و يصنع سيادته في هذا العالم؟

إن عدم التوازن و الاستقرار يستمر حتى يجد توازنه الخاص بجوهرين لا امكانية للتوازن بدونهما
هما احترام حقوق و كرامة الانسان و وضع ارادة الانسان في المؤسسات لانتاج الضمانة للحقوق و الكرامة

لا خلاص إلا بالمعرفة و بالوعي

اترك رد