قصة قصيرة ..( توبة محاذية )…منى الصراف

منبر العراق الحر :
لم تلتقِ في حياتها بفتيات الليل ، لم تعرف عنهنّ شيئاً سوى ما تجود لها الروايات التي كانت تعشقها، هنّ مجرّد نساء من حبر وورق.
فتاة في العشرين، ذكيّة جدّاً وجميلة وتفخر بفكرها ودائماً ما كانت تقول.. إنّ الذي سيعشقني سيكون من الصعب أنْ يتخلّص من عشقي.. ولن يكون صالحاً لامرأة بعدي.
تزوّجت زميلاً لها في الجامعة، وكانت تسعى أن تجعل من زواجها هذا ناجحاً في جميع نواحيه، وحريصة ألّا يتحوّل إلى مجرّد مؤسّسة فاشلة يتسرّب إليها الملل عبر السنين.
عرفت بذكائها المتّقد سرّ اللعبة، فاحتواء الرجل بالنسبة إليها مجرّد لعبة تستطيع التغلّب عليها ببراعة كبراعتها في لعبة الشطرنج، تحرّك أحجارها بدقّة متناهية، تخطّط لها مسبقاً وأحياناً أخرى خططها آنيّة حسب رقعة اللعب واللاعب..
فتُشعر زوجها أنّه الرجل المسؤول عن كلّ شيء، بينما كانت بيدها ساحة اللعب!
والمديح أحد أطراف اللعبة التي ستكون بعدها القرارات لها.
لم تحاصره يوماً بالأسئلة أو تراقبه بعين الشكّ.. أعطته المساحة الكاملة كي لا يشعر بالاختناق..
أنثى ليست كما هنّ الإناث، حين يعود الزوج إلى البيت من عمله تستقبله بالأحضان والقبلات كأنّه جنديّ باسل عاد للتوّ من أرض المعركة!، تسمعه أجمل الأحاديث وتمنحه لحظات رومانسيّة بشموع حمراء.
جعلته يخشى من فقدانها على عكس ما كانت تخشاه النساء.
رغم كلّ هذا الفكر والذكاء، كانت تعاني الخجل الكبير في فراش الزوجيّة، لأنّها ابتعدت كثيرا عن الحياة الجنسيّة والخوض فيها قبل الزواج، لاعتقادها أنّ هذا الابتعاد والتوجّس سيجعل منها أرضاً بكراً في كلّ شيء، وبما أنّ المجتمع وضع محاذير لهكذا أمور، كانت تبتعد عنها قدر المستطاع، ولأنّ سيأتي اليوم الذي تفهم فيه هذه الأمور البسيطة –باعتقادها!-، لكنّها بعد الزواج، كانت تحسد بنات الليل على جرأتهنّ مع الرجال، وكيف يجعلن الرجال يسعون إليهنّ بشغف كبير، فتمنّت أن تعرف سرّ اللعبة هذه لخوفها أن تضطرّ يوماً في الوقوع بمقارنة مع تلك النساء أو شعورها بانتصارهنّ عليها!.
سنحت لها في أحد الأيّام -وهي في زيارة لصالون الحلاقة- أنْ تلتقي ببعضهنّ، كانت تتصوّر أنهنَّ من كوكب آخر، لكنّها تفاجأت كونهنَّ نساء مثلها، يمتلكن أيْدِياً وأرجلاً ورؤوساً وأجساداً مثلها ومثل بقيّة النساء، الفرق الوحيد هو سوقيّتهنّ في الحديث، ممّا سبب لها حرجاً عند سماع ألفاظٍ لم تسمعها من قبل، لكنّها استجمعت كلّ قوى الأرض لتواجه هذه المخاوف أو الاشمئزاز منهنّ، أصرّت أن يكنَّ اليوم لها فريسة كما هنَّ حين جعلنَ من الرجال فرائس.
اختارت إحداهنّ وبادرتها بالسؤال عن لون شعرها ومكياجها، وفستانها من أين اقتنته، ليكون هذا مدخلاً للحديث معها، سألتها بعد ذلك عن اسمها فأخبرتها أنّ اسمها (نهال).
نهال فتاة عشرينيّة حسنة الوجه مثلها، أخذت تسترسل معها في الحديث، باغتتها بسؤال آخر:
-أخبريني يا نهال.. لِمَ الرجال يسعون إليكنَّ بشغف ونهم ونشوة؟! ضحكت تلك (النهال) بصوت عالِ وأجابتها بشيء من الاستهزاء:
لأنكنَّ أيّتها الشريفات غبيّات ! تخشينَ التشبّه بنا في فراش الزوجيّة! تتصوّرنَ أنّ في الفراش شرف!، وأخذت تزداد وتيرة ضحكاتها الرعناء..
شعرتْ -لأوّل مرّة في حياتها- أنّها حقّاً تلك الغبيّة التي وصفتها هذه المومس
استرسلت بسؤالها:
-وما الذي تفعلنَهُ أنتنّ في فراش روّادكنّ غير الذي تفعله الزوجة الشريفة؟!
-إنّنا جريئات في فراشنا.. والرجال يعشقون تلك الجرأة.
سألتها -وقد أرادت أن تأخذ منها كلّ المعلومات قدر استطاعتها وبفترة قصيرة، فقد لن تحظى بلقاء آخر معها-..
-وكيف ذلك؟
-على المرأة أن تجعل من فراشها ناراً وهشيماً، وتتخلّص من معاناة الخجل تلك..
نهلت منها علم التماهي والتلاشي والاستمتاع مع الزوج في لحظات هي من حقها شرعاً وقانوناً -حسب اعتقادها-، في حين أنهنّ لا يمتلكنَ تلك الشرعيّة مثلها.
بعد فترة من الزمن، عرفت أن رجلاً من منطقتها -له مركزه الاجتماعيّ والعائلي المحترم- قد تزوّج من نهال!، بعد أن كانت تتردّد عليه بين فترة وأخرى لتقبض منه الأجور قبل الدخول، فللعهر أيضاً شريعة وقانون! وعرفت أنّها فرحت جدّاً بهذا الزواج الموقّر، لأنّها كانت تتمنّى أن تعيش كما هنّ نساء الأرض الشريفات!.
وبالرغم من استيائها لسماعها هذا الخبر، والحنق على هذا الرجل، إلّا أنّها فرحت لتلك المومس لبدء حياة جديدة محترمة كما كانت تتمنّى.
التقت بها مرّة أخرى في صالون الحلاقة ذاته، بادرتها بالسلام والتبريكات، قالت لها: ما هو شعوركِ الآن وأنتِ سيّدة محترمة؟،
أجابتها: الحمد لله.. كم تمنّيت هذا الزواج.. كم أشعر بالراحة الآن لأنّ الله قد تاب عليّ –أخيراً- من الرذيلة التي كنت أعيش بها.
لكنّها لاحظت أنّها لم تستطع التخلّص من تلك الألفاظ السوقيّة البذيئة التي يبدو أنّها قد اعتادت عليها!
أكملت نهال حديثها :
زوجي -من شدّة حبّه لي- طلب منّي أن يكون له ولد منّي؟ لكنّ المصيبة ليست بهذا الطلب!.. بل بطلبه الآخر.. يريد أن يكون ولده أشقر بشعر ذهبيّ كخيوط الشمس، وعينين زرقاوين كلون السماء؟، ثمّ أخذت تضحك بقوّة وتقول:
أخبرنَني بالله عليكنْ.. زوجي أسمر اللون كأنّه أرض جرداء محترقة، وعيناه سوادهما كما هو الليل بعتمته، وشعره أجعد كما هو صوف الخروف!. كيف لي أن أجلب له طفلاً بهذه المواصفات؟!!، بادلناها الضحكات، أكملت حديثها وأخبرتنا أنّ هناك حل واحد فقط ، قلنا وما هو هذا الحلّ؟، أجابتنا:
تذكّرتُ أنّ لزوجي صديقاً وسيماً رائعاً أشقر بعينين زرقاوين، لو سمح لي زوجي بقضاء ليلة مع ذاك الصديق ، لجلبتُ له ذلك الطفل!
نظرت إليها بتجهّم كبير وابتسامة صفراء طغت على شفتيّها ، وعرفت عندها أنّ هناك توبة حقّاً، وهناك توبة أخرى محاذية للرذيلة.
…………………
منى الصرّاف/العراق

اترك رد