أكبر عملية انتحار جماعية في التاريخ

منبر العراق الحر :جرت في 18 نوفمبر 1978 عملية انتحار جماعية في أدغال غيانا بأمريكا الجنوبية تعد الأكبر في التاريخ. قتل في تلك المأساة 918 أمريكا بينهم 270 طفلا.

أقام أعضاء المنظمة الدينية “معبد الشعوب” بزعامة القس جيم جونز حفلة ضخمة للموت. بحسب الرواية الرسمية الأمريكية أمر جونز أتباعه بملء خزان كبير بعصير العنب وخلطه بسم سيانيد البوتاسيوم.

سقي الأطفال الصغار بالعصير المسموم أولا، ثم الأطفال الأكبر سنا، وبعد ذلك شرب الكبار من الرجال والنساء الشراب المسموم ولحقوا بأبنائهم.

التحقيقات لاحقا أفادت بأن بعض أعضاء الطائفة الدينية الأمريكية لم يشربوا العصير المسوم طواعية، بل أكرهوا على ذلك.

جميع أعضاء طائفة “معبد الشعوب” لقوا مصرعهم بالسم ما عدا الزعيم جيم جونز وشخص آخر يدعى آن مور، اللذين لقيا مصرعهما بطلق ناري في الرأس.

المنظمة الدينية “معبد الشعوب” كانت تأسست في ولاية إنديانا الأمريكية في عام 1955 على يد واعظ يبلغ من العمر 24 عاما يدعى جيم جونز. هذا الرجل بشر بأفكار عن المساواة الاجتماعية والعرقية وأقام مجتمعا مغلقا سيطر على أفراده بطريقة كاملة.

استقطب جونز إلى طائفته الدينية أشخاصا من مختلف الشرائح الاجتماعية وكان من بين الأعضاء مدمنون سابقون على الكحول والمخدرات ومشردون بلا مأوى، وأولئك الذين يعانون من مشاكل أسرية أو أصيبوا بخيبة أمل في المجتمع. كان ثلث أعضاء طائفة “معبد الشعوب” من الأمريكيين من أصل إفريقي. هذا الأمر لم يكن اعتياديا في الولايات المتحدة حينها وخاصة في ولاية إنديانا حيث تنتشر الآراء العنصرية.

أقنع جونز أتباعه بالتخلي عن جميع أملاكهم ومدخراتهم والتنازل عنها له. قدم نفسه للجميع على أنه “الأب” الذي يحمي جميع الأخطار بما في ذلك من حرب نووية وشيكة خلال تلك الحقبة المتوترة من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. أطاع الأتباع مرشدهم وزعيمهم الديني بشكل تام وكانوا ينفذون كل أوامره ويعملون بالأشغال الشاقة ويستمعون إلى خطبه وينظرون “الجنة” التي وعدهم بها.

بلغ عدد أعضاء طائفة “معبد الشعوب” في أفضل فتراتها حوالي 20 ألف شخص، فيما لم يتجاوز عددهم وقت المأساة، لحسن الحظ، حوالي الألف.

انتقل بأعضاء الطائفة في البداية من إنديانا إلى وادي ريددود في كاليفورنيا. كانت الحجة اتقاء حرب نووية مدمرة ستقضي على الجميع باستثناء قلة مختارة من بينهم أتباعه. هذا القس أقنع أتباعه أنه رأى في منامه أن مدنا كاملة ستتعرض للتدمير بفعل هجمات نووية، وأنه الوحيد القادر على العبور بهم إلى بر الأمان.

القس جيم جونز غير وجهته تماما في عام 1977 وانتقل مع أكثر من 900 من أتباعه إلى ادغال غيانا حيث أسس مدينة جونستاون. هناك عمل أعضاء الطائفة الدينية بلا كلل 11 ساعة في اليوم، وشيدوا مدينة مزودة بمدرسة ومستشفى وروضة للأطفال وناد ومطبعة خاصة.

عزل جونز أتباعه عن العالم في أدغال غيانا بعد أن رفع أعضاء سابقون دعاوي ضده ونشرت وسائل الإعلام الأمريكية حملة شككت في سلوك الطائفة وزعيمها، فيما كان جونز يلقي مساء كل يوم خطب على أتباعه واعدا غياهم بأن مدينتهم الجديدة ستصبح قريبا “جنة على الأرض”، ومكانا تتحقق فيه “السعادة العالمية”، وينجو كل من فيها من الشرور المنتشرة في بقية العالم!

من يكون جيم جونز؟

رئس المنظمة الدينية “معبد الشعوب” القس جيم جونز يذكر في مذكراته انه يعتبر نفسه بمثابة نسخة عن المسيح نفسه وأيضا بوذا ولينين، وأنه يتحدث إلى العالم “نيابة عن أذكياء الكون غير المتجسدين”.

هذا الرجل بأفكاره الدينية الخاصة يوصف بأنه نرجسي ومجنون مثل جميع نظرائه الذين أقاموا مجدا لأنفسهم من خلال التغرير بالآخرين واستغلال عواطفهم الدينية.

أجرى عضو الكونغرس الأمريكي ليو رايان تحقيقا جديا في أنشطة معبد الشعوب، وقرر التحقق بنفسه من الأوضاع في مدينة جونستاون، ولهذا الغرض وصل إلى هناك صحبة عدد من الصحفيين في 17 نوفمبر 1978.

سرعان ما توترت الأوضاع بين عضو الكونغرس وأتباع جونز حين قام ليو رايان في اليوم التالي بالانتقال إلى المطار صحبة 16 من أعضاء الطائفة الذين رغبوا في العودة إلى بلادهم  بذرائع مختلفة.

فجأة بدأ إطلاق النار في المكان وجرى قتل عضو الكونغرس من قبل حراس تابعين لجونز، وكان ذلك بمثابة إشارة النهاية.

دعا جونز أتباعه إلى “انتحار ثوري”، وقتل الجميع بالسم فيما أطلق زعيم الطائفة النار على نفسه من مسدس، ولم ينجو إلا فريق لكرة السلة للأولاد كان وقتها يخوض مباراة في مدينة مجاورة.

رواية عن يد للاستخبارات الأمريكية في الذبحة:

اللافت أن الرواية الرسمية الأمريكية عن المأساة باعتبارها عملية انتحار كبرى نفذت بأمر من القس جيم جونز تناقضها رواية مثيرة أخرى لمحام من معارف جونز يدعى مارك فين.

هذا المحامي قدّم في كتاب بعنوان “أقوى السموم”، ما عدها أدلة على أن الاستخبارات المركزية الأمريكية كان لها يد في مذبحة جونستاون في غيانا وأن “خمسين شابا أمريكيا قويا”، كانوا وصلوا على المدينة على هيئة “سياح” هم من قاموا بإطلاق النار على عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ومرافقيه من الصحفيين، وأن عملية الانتحار الجماعي كانت “مؤامرة” للحكومة الأمريكية.

هذه الرواية رأت في منع أي شخص من الدخول إلى مكان المأساة لمدة يومين، تأكيدا لنظرية المؤامرة الامريكية، علاوة على الزعم بأن عقارا مجهولا حقن في أماكن لا يستطيع الشخص أن يصل إليها بنفسه، تسبب في مقتل العديد من الأشخاص في تلك المذبحة!

ادعت هذه الرواية أن السلطات الأمريكية ارتكبت هذه المذبحة لمنع جونز وأتباعه من اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي وإعادة توطينهم هناك. زُعم أن جونز وعدد من أتباعه كانوا على اتصال بالقنصل السوفيتي في غيانا وأنهم كانوا ينوون الهجرة إلى هناك، وأن الحكومة الأمريكية بتلك المذبحة تجنبت “عار” لجوء عدد كبير من مواطنيها إلى عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي.

المصدر:وكالات

 

اترك رد