منبر العراق الحر :
الصراع في سوريا يتسم بتشابك المصالح الإقليمية والدولية، مما يجعله أقرب إلى حرب عالمية مصغرة تدور رحاها على الأراضي السورية. في جوهر هذه الحرب، تتصارع قوى كبرى على النفوذ الجيوسياسي في منطقة تعتبر محورية لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط. الأطراف الأساسية في هذا الصراع تشمل تركيا، إيران، روسيا، الولايات المتحدة، وإسرائيل، بالإضافة إلى الجماعات المحلية والإقليمية المسلحة.
*المحركات الإقليمية*:
1. الدور التركي:
تركيا تسعى لحماية أمنها القومي، خاصة من التهديد الكردي على حدودها الجنوبية. ترى في الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره تهديداً وجودياً. لذلك، تدعم الفصائل المسلحة مثل الجيش الوطني السوري كجزء من استراتيجيتها لخلق منطقة عازلة جنوب حدودها.
تلعب تركيا لعبة مزدوجة، فهي تدعم المعارضة المسلحة لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى احتواء الأكراد ومنعهم من إقامة كيان مستقل قد يعزز من تطلعات الأكراد داخل تركيا.
2. إيران وروسيا:
إيران الحليف الأبرز للنظام السوري، ترى في سوريا جسراً استراتيجياً يصلها بحزب الله في لبنان، مما يعزز نفوذها الإقليمي. الضربة الجوية الاستباقية الإيرانية الأخيرة تكشف عن مدى قلق طهران من تمدد الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا وتأثيرها على معاقل حلفائها في نبل والزهراء.
أما روسيا هي القوة العسكرية الكبرى الداعمة لبشار الأسد، تسعى للحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، خاصة في ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية. ترى موسكو في دعم النظام السوري وسيلة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط ومواجهة الهيمنة الغربية.
3. إسرائيل:
تلعب إسرائيل دوراً خفياً لكنه مؤثر، إذ تسعى إلى إضعاف إيران وحزب الله عبر استهداف طرق الإمداد بين سوريا ولبنان. الضربات الجوية الإسرائيلية على معابر مثل الدبوسية والريماس تهدف إلى قطع خطوط الإمداد الإيرانية وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.
4. الولايات المتحدة:
تركز واشنطن على محاربة داعش كما تدعي وحماية حلفائها الأكراد في شمال شرق سوريا. بينما تقدم الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يهدف إلى منع عودة تنظيم داعش وضمان وجود نفوذ أمريكي في مواجهة روسيا وإيران.
*الأبعاد الدولية للصراع*:
1. الصراع الروسي-الأمريكي:
يشكل الصراع في سوريا ساحة حرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة. في حين تدعم موسكو النظام السوري لتعزيز نفوذها، تسعى واشنطن إلى تقليص هذا النفوذ عبر دعم الأكراد وقوى المعارضة المعتدلة.
2. التنافس الإيراني-الإسرائيلي:
الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا هو جزء من معركة أوسع للهيمنة الإقليمية. إيران تسعى لتحويل سوريا إلى قاعدة نفوذ لها، فيما تحاول إسرائيل منع ذلك عبر ضربات جوية متكررة.
*تأثير الصراع على العراق*:
رغم أن العراق ليس جزءاً مباشراً من الحرب في سوريا، إلا أن التأثيرات عليه كبيرة. بحكم حجم الحدود الطويلة بين البلدين تجعل من العراق عرضة لتسلل الجماعات المسلحة، خصوصاً مع وجود ثغرات في تأمين الحدود. كما أن أي تصعيد في سوريا قد يؤدي إلى استدراج العراق إلى الصراع، خاصة إذا قررت الفصائل العراقية المدعومة من إيران التدخل.
العراق يواجه تحدياً صعباً في الحفاظ على الحياد، خاصة مع وجود ضغوط إقليمية ودولية. الخيار الأفضل للعراق هو تعزيز قدراته الدفاعية، لا سيما على طول الحدود السورية، وتجنب الانخراط في أي محور قد يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية داخلياً.
*النتيجة*:
الصراع في سوريا هو حرب معقدة ذات أبعاد إقليمية ودولية، حيث تتشابك مصالح القوى الكبرى مع مصالح القوى الإقليمية. في هذه الحرب، الشعب السوري هو الخاسر الأكبر، إذ يدفع ثمن الأطماع والمخططات الدولية. أما العراق، فعليه أن يتبنى سياسة الحياد المدروس مع تعزيز أمن حدوده، لأن أي انخراط مباشر قد يهدد أمنه القومي ويزيد من تعقيد وضعه الداخلي.
كاتب سياسي