*الجولاني وحلم السلطة: قراءة استراتيجية في تحركاته الأخيرة* …ناجي الغزي

منبر العراق الحر :
خطوة أبو محمد الجولاني بتشكيل حكومة أحادية اللون مكونة بالكامل من أعضاء هيئة تحرير الشام، ذات الخلفيات الإرهابية، تعكس تحولاً استراتيجيًا في طموحاته السياسية والعسكرية. هذا التحرك لا يمكن عزله عن تصريحاته الأخيرة لقناة العربية، التي تضمنت تناقضات واضحة حول مدة السلطة الانتقالية، والتي أعلن سابقًا أنها لن تتجاوز ثلاثة أشهر، قبل أن يمددها إلى أربع سنوات وثلاث سنوات لكتابة الدستور.
هذه التناقضات ليست عشوائية، بل تعكس استراتيجية مدروسة تهدف إلى إعادة تشكيل صورة الجولاني من زعيم جماعة مسلحة إلى قائد سياسي يمتلك مشروعًا طويل الأمد لحكم شمال سوريا.
*الجولاني وتحويل الهيئة إلى كيان سياسي شرعي*
إعلان حكومة تضم شخصيات من داخل هيئة تحرير الشام حصرياً دون سواهم من المكونات السياسية والفصائل المسلحة التي ساهمت وشاركت في القتال الى جانب جبهة النصرة او هيئة تحرير الشام، هي خطوة لتقديم الهيئة ككيان سياسي يحكم شمال سوريا، لا مجرد جماعة مسلحة. الهدف هنا هو الانتقال من الصورة العسكرية إلى “حاكم شرعي”، يسعى الجولاني من خلالها إلى فرض سيطرته على المنطقة واحتكار القرار السياسي، مع استبعاد أي قوى معارضة قد تنافسه.
يبدو أن الجولاني يدرك أهمية ترسيخ وجوده كطرف أساسي في المشهد السوري، خاصة مع فراغ السلطة وغياب أي جهة قادرة على توحيد الفصائل المتناثرة. في هذا السياق، تشكيل الحكومة من لون واحد هو رسالة واضحة: “السلطة هنا بيدي، ولا مكان للشراكة أو المعارضة”.
*قراءة في تناقض التصريحات حول السلطة الانتقالية*
تناقض تصريحات الجولاني حول مدة السلطة الانتقالية يعكس محاولته كسب الوقت لترسيخ سيطرته. الحديث عن ثلاث سنوات لكتابة الدستور وأربع سنوات للسلطة الانتقالية يهدف إلى تثبيت واقع جديد في شمال سوريا. الجولاني لا يريد أن يكون حاكماً مؤقتاً، بل يسعى لفرض نفسه كلاعب أساسي في أي تسوية سياسية مستقبلية.
هذا التناقض يحمل رسالة مزدوجة: طمأنة الداخل بأنه لن يتسرع في تسليم السلطة، وإرسال إشارة إلى الخارج بأنه يملك خطة طويلة الأمد للاستقرار.
*تصورات الجولاني لسوريا والمنافسين والبيئة الإقليمية*
1. رؤية الجولاني لسوريا
الجولاني يرى سوريا ككيان مجزأ حالياً، ويعمل على بناء “دولته الخاصة” في الشمال. مشروعه السياسي يتجاوز الإدارة المؤقتة إلى إقامة كيان مستقل اقتصادياً وأمنياً، قد يكون نموذجاً لإعادة بناء السلطة في سوريا من وجهة نظره.
يعتمد هذا التصور على إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرته بقبضة حديدية، مع تقديم خدمات أساسية وإظهار قدرته على الحكم. الجولاني يريد أن يضع نفسه في موقع يسمح له بأن يكون مرجعية محلية، سواء في حال بقاء الوضع كما هو أو ضمن تسوية إقليمية ودولية.
2. المنافسون والخصوم
المعارضة المسلحة الأخرى: يرى الجولاني في بقية الفصائل المسلحة خصوماً مباشرين يجب إضعافهم أو إقصاؤهم لضمان سيطرته الكاملة. صراعاته السابقة مع فصائل المعارضة تؤكد أنه لن يتردد في اللجوء للقوة ضد من يهدد نفوذه.
القوى الإقليمية: الجولاني يدرك أن تركيا هي اللاعب الأكثر تأثيراً في شمال سوريا. العلاقة بينه وبين أنقرة تبدو معقدة، فهي تحتاج لآلية تضمن استقرار حدودها ومنع تمدد الفصائل الكردية لها، لكنه في الوقت نفسه يخشى أن تستخدمه تركيا كأداة مؤقتة، ثم تتخلص منه إذا انتفت حاجتها إليه.
المحيط العربي: يحاول الجولاني تقديم نفسه كمشروع بديل يمكن أن يطمئن الدول العربية التي تخشى الفوضى والإرهاب او تمدد نشاطه خارج حدود سوريا. لكن ماضيه الإرهابي يقف عائقاً أمام أي تقبل عربي له في الوقت الحاضر، وحتى بعض الدعوات المحدودة وبعض الزيارات لمسؤولين عرب هي مبادلات خجولة وغائمة. مما يدفعه للتركيز على كسب الشرعية الإقليمية تدريجياً.
3. العلاقة مع القوى الدولية
الولايات المتحدة: الجولاني يحاول أن يقدم نفسه كقوة معتدلة نسبياً مقارنة بجماعات أخرى، مما قد يدفع واشنطن إلى التعامل معه على مضض كأمر واقع. لكنه يدرك أن تصنيفه كإرهابي يضع قيوداً على طموحاته الدولية.
روسيا: موسكو لن تقبل بوجود كيان سياسي-عسكري يحكم شمال سوريا خارج سيطرتها. الجولاني قد يواجه محاولات مستمرة لإضعافه عسكرياً أو تقييد نفوذه سياسياً.
استراتيجية الجولاني المستقبلية تجاه إيران: قد تتأرجح بين التكيف والاصطدام، بناءً على موازين القوى وتطور الأوضاع في الميدان. إذا استطاع الجولاني ترسيخ حكمه وإثبات أنه لاعب يصعب تجاوزه، فقد يسعى إلى تحييد إيران، إما من خلال وساطات إقليمية أو عبر تفاهمات مرحلية. أما في حال تصعيد إيران ضد مشروعه، فقد يلجأ إلى تعزيز تحالفاته مع أطراف إقليمية معادية للنفوذ الإيراني، مثل تركيا أو دول عربية أخرى
*تحركات الجولاني: بين الواقع والطموح*
الجولاني يعمل على تثبيت نفسه كزعيم لا يمكن تجاوزه في شمال سوريا، معتمداً على استراتيجية متشابكة تجمع بين استبعاد الخصوم، تعزيز السيطرة العسكرية، ومحاولة اكتساب شرعية سياسية تدريجية.
على المستوى الإقليمي، يبدو أنه يستفيد من الدعم التركي غير المعلن، لكنه يواجه معضلة في توسيع تحالفاته الدولية بسبب ماضيه الإرهابي. أما عربياً، فسيظل خارج القبول ما لم ينجح في تقديم نفسه كقوة استقرار بدلاً من مصدر تهديد.
في النهاية، طموحات الجولاني تصطدم بعوائق عديدة، سواء من الداخل السوري أو من القوى الإقليمية والدولية. ومع ذلك، يبقى رهانه الأكبر على الوقت وترسيخ واقع جديد يصعب تغييره.

 

كاتب سياسي

اترك رد