دُونْتِيلَّا أوْ؛ ما لا تصنَعُه اليَد ــــــــــ افراح الجبالي

منبر العراق الحر :
حسنا. سأحدِّثُكِ عن الأيام التي تَلتْ ذلك!
سأحدّثكِ قَبْلها، عن قَمِيص النَّوْم، الذي ابْتاعَه
لي، و لمْ يَكن مُتأكدا مِن مَقاسي،
قَصد مَتجرا وابْتاعَه.
-صباح الخيْر
-صباح الخيْر
كنتُ في الهواء، و صوْتُ تَنفُّسِه قَيَّدني،
غازِيًا رئتيّ

شَبِيكةُ حَرير
فيها طُيورٌ و بَرارِي، عند السُرَّة. فيه حيواناتٌ طلقة ومتاهات بَريّةٌ. ثُمّ السَّماءُ الخاليَة،
فيها حِجارةُ نَجمتيْن،
جاءَ مَلاكٌ واقِفا بينَ الشَّظايا. و نادَى
بدَهشتِها المُظلِمة، أو كمَنْ تَحتضِنُ فَجْر اليَوم، مع تَنهُّد
(جرَّبْتُ القَميصَ -او الشَّبِيكة- والحديقةُ مُلتفَّةٌ بلهيبِها
والفَوضى تشغَلُ مِساحَتي،
وكان خَريفًا،
وكنتُ صَبِيَّة.) قَمِيصي مُشجَّر، دُونتِيلَّا
-شُغْلُ البُندُقيَّة
-نَسيجُ يَد ؟

كنتُ أرقص!
قبلَ ذلك، سأحدِّثُكِ عن البُحيْرات، عن ذاك الضَّمِير الأوَّل حيثُ قَبضْتُ على الثُّعْبان، حتَّى تَعبَق

القِصَّةُ مِن بين شَفتَيْه، سأحدِّثكِ
عن صُندوقِ أهْلي،
ينامُ فوْقَه الأمِير، والعُلوُّ الذي وهَبَتْه له الأبَديَّة
يُشيرُ بإصبعِه نحوي:
لكِنني كنتُ أرقُص. رقصتُ لحَبِيبي في العِشرِين
خطوات الشَّكّ
و كان يَراني، مِن بَين الأكمَةِ، وقدْ اِستَسلَمَ للوَقْت
في ظلِّ الشَّجرة:
وكانَ وحِيدا
وكنتُ أعلَمُ أن ورقَةَ الخِزْيِ مَوجودةٌ على
بَشرتي،
أريْتُه إياها أيضا، كنوْعٍ مِن الغِناء. أريْتُه
جميعَ العُراة، أفرعِي المُتنمِّلةَ وخُيوطَ الدمّ، وكنتُ أرقصُ،
رآني أرقُص…
كنتُ بحاجةٍ إلى رُؤية نَفْسي أرقُص.
الجُلوسُ على مَقعدٍ حديديٍّ رُطوبَة.
كنتُ أحتاجُ شُعورًا برائحةِ الرَّغْبة مِن حوْلي،
رائحةَ الخطوات الضائعة بين القفْل والحيَوانَيْن
رأيتُ الغطاءَ الذي يَجلُو غُرفةَ المَعيشة والشمسُ ما تزال تأتي مِن رُوحِه
لا حِشْمةَ فيه
نَعودُ إلى الرَّقْص
كحيَوانَيْن يَتشبَّثُ أحدُنا بالآخَر، مخفيًا عيْنَيه
.
مَن هذان المُغْترِبان دونَ وقتٍ للعَودةِ يا حبيبي؟
.
“حياتي أكلتُها بِفمِي الآخَر”
“حياتي أكلتُها بِفمِي الآخَر”! (وإذْ تقولُ هذا، لمْ تكُنْ تَعرِف أنَّها تَكذِب)
.
كما في اليومِ الأوَّل، لمْ تكنْ ثَمرتِي قدْ أكِلتْ. كنتُ في انتظارِ الحُبّ،
الحُبِّ الذي يَصعَدُ وسَط الحديقة.

هكذا، أرى نَفْسي مُغترِبةً عن حياتي
عندما كنتُ أمشي ببطْء
عندما كنتَ تَستيْقظُ في المَمرّ الآخَر
تُفتِّشُ حولكَ عن غَليُونِك الفِضيّ
أمشي مُتذكِّرةً نافُورةَ فينُوسْ. كانتْ النِّقاطُ مُتشابِكة
لتُشكِّلَ رَسمَها.
الآن،
كلُّ شيء في حالَةٍ مِثاليَّة:
أمشي بِتَضرُّع في الأسبوع، ضامّةً إلى صَدري القَمرَ البيْضوِيَّ مَخفيًّا بحَذَر،
أواصِلُ التّسوُّقَ ناسيَةً القائمةَ مِن جَديد،
أقتني الزُّبدةَ والجُبن،
وكلَّ الأشياءِ التي لا أحتاجُ إليها، عندما تَكون هناك حاجةٌ إلى الحَليب.
أستَمرُّ في دفعِ الباب إلى الجِدار،
حيثُ المِرآةُ نفسُها مَمسوكةٌ بِيَد فاطِمة.
بأنامِل مبطئةٍ، أنزَعُ جنَاحَيَّ بِلِين،
أُواصِلُ شُربَ قَهوة صباحِ البارحة، الباردَة،
غيرَ مُتذكِّرةٍ استِلْقائي على النُّشارةِ المَسحوقَة للزَّمن…
لذلك البِئْرِ الذي كانَ بينَ يَديْك…
لذلك،
لكلِّ ذلك،
ولِعِلَّة أخرى، لا أتَذكَّرُها، إذْ
لمْ تَعُد مُهمَّةً الآن،
أو لعلَّها سَقطتْ مِنّي على طُولِ الطريق الذي رأيْتُه
حيثُ لمْ تَرغبْ في السُّقوط،
رائحةٌ ما عادتْ تَتذكَّر .
لذلك، وللجمِيع
أريدُ ان أُرسلَ سَلامي

ــــــــــــ
أفراح الجبالي -تونس-

اترك رد