صوت أمريكا تحت المقصلة: قرار ترامب يعصف بإعلام الدولة ويشعل الجدل… كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
في زلزالٍ سياسي وإعلامي مدوٍّ، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بتقليص نطاق عمل عدة وكالات فدرالية، وعلى رأسها وكالة الإعلام العالمي الأمريكية (USAGM)، الشركة الأم لـ”صوت أمريكا”. هذا القرار الجريء، الذي جاء ضمن تعهّدات ترامب الانتخابية بتقليص حجم الحكومة الفدرالية، أفضى إلى تسريح أعداد كبيرة من الصحفيين، مهدداً واحدة من أعرق المؤسسات الإعلامية الأمريكية بالسقوط في هاوية المجهول.
“صوت أمريكا”… بين مجد الأمس وشكوك اليوم
منذ تأسيسها عام 1942، كانت “صوت أمريكا” منارة إعلامية تُبثُّ عبر الأثير لملايين المستمعين حول العالم، متصدية للدعاية النازية إبان الحرب العالمية الثانية، ثم لاحقاً للدعاية السوفييتية خلال الحرب الباردة. لكنها اليوم، وبعد أكثر من ثمانية عقود، تجد نفسها في مواجهة عاصفة سياسية قد تعصف بها إلى الأبد.
في خطوة أثارت الذعر بين العاملين في الوكالة، جرى وضع مديرها، مايك أبراموفيتز، رفقة 1300 موظف آخر في إجازة مدفوعة الأجر، فيما تلقى المستقلون والمتعاقدون الدوليون إشعاراً مفاده أن “الأموال قد نفدت”، وفقاً لمصدر تحدث لشبكة “سي بي إس”.
تبريرات البيت الأبيض واتهامات التحيز
بررت إدارة ترامب القرار بضرورة “عدم تحميل دافعي الضرائب تكلفة الدعاية المتطرفة”، مشيرةً إلى أن “صوت أمريكا” انحرفت عن دورها، متهمةً إياها بالتحيز ضد الرئيس والميول نحو اليسار. تصريحات البيت الأبيض استندت إلى انتقادات من وسائل إعلام يمينية، أبرزها مقال كتبه دان روبنسون، أحد مراسلي الوكالة السابقين، واصفاً إياها بأنها “كيان متغطرس يعمل كدولة داخل الدولة”.
لكن المعارضين يرون في هذه الخطوة محاولةً ممنهجة لفرض السيطرة السياسية على وسائل الإعلام الفدرالية، في وقت تتزايد فيه حدة الاستقطاب داخل الولايات المتحدة.
شلل وظيفي وضربة تاريخية للإعلام الحكومي
لم يكن “صوت أمريكا” الوحيد الذي طالته تداعيات القرار؛ بل شمل الأمر التنفيذي وقف التمويل عن “راديو أوروبا الحرة” و”راديو آسيا الحرة”، وهما مؤسستان أُنشئتا لمواجهة المدّ الشيوعي، ليصبح مصيرهما اليوم معلقاً بخيط واهن.
“إنها ضربة قاسية لقدرتنا على مجابهة الدعاية العالمية التي تستهدف الولايات المتحدة”، هكذا وصف مايك أبراموفيتز الوضع في حديثٍ مع “بي بي سي”، محذراً من أن خصوم أمريكا – كالصين وروسيا وإيران – “سينعمون بالفراغ الإعلامي الذي سيخلفه هذا القرار”.
إيلون ماسك وكاري ليك في قلب العاصفة
لم يكن القرار مفاجئاً تماماً، فقد دافع عنه بشدة الملياردير إيلون ماسك، المستشار الأعلى لترامب والمشرف على خطط تخفيضات الحكومة، مطالباً بإغلاق “صوت أمريكا” بالكامل عبر منصته “X”. كما عيّن ترامب الإعلامية المحافظة كاري ليك مستشارة خاصة لوكالة الإعلام العالمي، في خطوة فُسّرت بأنها محاولة لترسيخ النفوذ السياسي على الإعلام الرسمي.
مستقبل مجهول… وصوت يترنح على حافة الصمت
منذ توقيع الرئيس جيرالد فورد على ميثاق “صوت أمريكا” عام 1976، كانت الاستقلالية التحريرية حجر الزاوية في مسيرتها، لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق غير مسبوق. هل ستتمكن هذه المؤسسة العريقة من الصمود أمام عاصفة السياسة، أم أن هذا القرار سيكون بداية النهاية لواحدة من أبرز المنابر الإعلامية في التاريخ الأمريكي؟
أسئلة كثيرة تلوح في الأفق، لكن شيئاً واحداً يبقى مؤكداً: إذا خفت صوت “صوت أمريكا”، فلن يكون الإعلام الأمريكي كما كان من قبل.

اترك رد