منبر العراق الحر :
لو تأمّلنا بشكلٍ سليم ودقيقٍ وجاد ، لوجدنا أنّه لا يوجد تطرف وعنف بين الشعوب ، لأن هذا التطرّف والعنف وحتّى الإرهاب ، هو مُصطنع ، ويتم القيام به بتوجيهاتٍ وبتمويلٍ من الدول المستفيدة من هكذا عنف في هذا المكان أو ذاك . فهناك مصالح ومكاسب ترعاها بعض الدول خارج حدودها عن طريق التطرف والعنف وما ينتج عنهما .
والدول التي تصنع التطرف ضد الآخر بكل تأكيد لا تتحمّل مسؤولية مواجهته اللهم إلاّ بالشعارات والتصريحات الإعلامية المكوكيّة ، أو في حالةٍ أخرى إذا تعرّضت هي نفسها للتطرف وللعنف وأصبح هذا التيار المتطرف خارج نطاق سيطرتها .
آخذين بعين الإعتبار بأن كلّ دولة تعرّف التطرف والعنف والإرهاب أيضاً تعريفات خاصّة بها وفق مصالحها وما تروم إليه .
الحالة العربية هي ضحية من ضحايا التطرف والعنف ، حيث غذّى النظام الدولي هذا التطرف والعنف في المنطقة بهدف الوصول إلى هدف بناء نظامٍ سياسي جديد في المنطقة العربية بعد مضي 100 عام على سايكس بيكو ، ورأينا وتابعنا كيف إنهارت دول ومؤسسات وبرزت جماعات متشددة من مختلف الطوائف والمذاهب والأعراق ومن مختلف أنحاء العالم وأباحت كل شيء .
فمواجهة التطرف والعنف تفتقر إلى رؤية سياسية واضحة المعالم لمعالجة الأمور . فمن الواضح لدينا أن العنف هو عبارة عن حرب لإلغاء وإقصاء الآخر .
يقولون بأنهم سيكافحون العنف والتطرف ، لكن الأهداف البعيدة هي أكبر من ذلك بكثير ، وأكبر من مكافحة العنف والتطرف و ملحقاته .
ترامب الرئيس الأمريكي قالها صراحة ” إن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية لن تكون ضمن أولوياتنا في المنطقة العربية ، وجهودنا سوف تنصبّ على مكافحة التطرف وتأمين مصالحنا .”.
علماً أنهم هم الذين يُموّلون ويُغذّون التطرف وأشكاله والعنف بأنواعه في المنطقة وفق مصالحهم وكما وأينما يرغبون ويشاؤون ، فقد يحاربون العنف في منطقةٍ ما ، وقد يبيحونه في منطقةٍ أخرى .
إنها الإزدواجية التي يُمارسونها في سياساتهم ، وفي تعاطيهم مع العنف والتطرف ، كلهم صنعوا هذه المحاور المتطرفة ودعموها ، وكلهم وبوسائلهم الإعلامية يُصرّحون بأنهم سيحاربون كل أشكال العنف والتطرف .
القرار والموقف هنا هو أخلاقي ومهني ، فعندما قامت أمريكا والحلفاء بغزو العراق بحجج كثيرة وواهية ، إكتشفوا بأنّه لم يكُ فيها أي سلاحٍ نووي أو مدافع عملاقة ، وإعترفت بذلك بريطانيا على لسان رئيس وزرائها ، كما إعترفت أمريكا أيضاً ، كما لم يكُ في العراق أي عنفٍ أو تطرفٍ ، ولكن بعد وصول أمريكا إنتشرت الفصائل المتطرفة ومارست كل أشكال العنف في كل مكان وإنتشر الإرهاب ، وعادت القاعدة برعايةٍ أمريكية ، وعادت القاعدة ، وإنتشر بعد ذلك الإرهاب والعنف والتطرف في كل مكانٍ في المنطقة المترامية الأطراف ، وتحت رعاية وتمويل أمريكا وحلفائها .
علينا أن نعي تماماً بأن الدول الكبرى ليست مؤسساتٍ خيرية أو جمعيات إنسانية ، إنما هي دولٌ تعمل على تحقيق مصالحها ومكاسبها بأي شكلٍ من الأشكال مهما كانت خسائر الآخرين .
ولو كانت الدول العربية محصّنة من الداخل بحريتها وديمقراطيتها وإلتفاف المواطن حولها ، لما إستطاعت الدول الغربية طرق أبوابها عن طريق العنف والتطرف .
فالعنف والتطرف هو يُشكّل جريمة مرتبطة ومتداخله مع الجرائم الأخرى مثل تجارة السلاح وتجارة المخدرات وتجارة الدعارة وتجارة الأعضاء البشرية ، كلها جرائم وهناك مموّلون ورعاة لها .
ونحن بحاجةٍ إلى مواجهة حقيقية لكل أشكال التطرف والعنف من خلال الوعي الفكري بالتوازي مع المواجهة الأمنيّة .
كما أن الثقافة السياسية هي جزء جوهري من النظام السياسي ، وهي الشق المعنوي ومن كل جوانبه ، فالثقافة السياسية أساس التعايش والتعاون وقبول الآخر ، بدلاً من السلبية والعنف والكراهية والتطرف والحقد والانغلاق على الذات ، والعدوانية ورفض الآخر .
الثقافة السياسية وجهود المفكرين والكتّاب والمثقفين هي أساس نشر وترويج قيم التسامح والسلم والسلام والأمان والإستقرار والحوار ، بدلاً من العنف والإقصاء والتطرف وتمجيد الرأي الأوحد .