“فاوستوس الإيراني: قراءة رمزية في علاقة إيران بالشيطان الأكبر”….عمار عزت

منبر العراق الحر :

في الأدب الغربي، تبرز شخصية فاوستوس بوصفها تجسيدًا لطموح الإنسان اللامحدود، ذلك الطموح الذي يدفعه إلى عقد صفقة مع الشيطان في سبيل بلوغ المعرفة والقوة. هذا النموذج الرمزي تجاوز حدود الأدب، وأصبح مرآة لتجارب سياسية وثقافية عديدة، حيث يتكرر مشهد العقد الشيطاني بصور شتى. ففي هذا السياق، يمكن قراءة العلاقة المتناقضة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية – التي تسميها إيران “الشيطان الأكبر” – من خلال عدسة “فاوستوسية”، ترى في الاتفاق النووي بين الطرفين تجسيدًا لعقد مع قوى طالما اعتُبرت عدوة للثورة والهوية، الهدف منه امتلاك إيران للقوة والمعرفة النووية.
فاوستوس هو العالِم الطموح الذي ضاق ذرعًا بالمعرفة التقليدية، فسعى إلى قوى خارقة عبر السحر الأسود، مبرمًا صفقة مع الشيطان تمنحه 24 سنة من القوة مقابل روحه. خلال هذه السنوات، ينغمس فاوستوس في تجارب تافهة لا ترقى لطموحه الأول، حتى ينتهي به الحال نادمًا، لكن الأوان يكون قد فات.
وبالمقارنة بدأت إيران برفض الشيطان ثم وقعت في إغوائه، فمنذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، اتخذت إيران موقفًا صارمًا تجاه الولايات المتحدة، باعتبارها رمزًا للاستكبار العالمي. إلا أن العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية دفعتها، لاحقًا، إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض مع “الشيطان الأكبر”، بحثًا عن منفذ للنجاة.
الاتفاق النووي لعام 2015، وإن بدا انتصارًا دبلوماسيًا في حينه، إلا أنه جوبه لاحقًا بانتقادات شديدة داخل إيران، خاصة بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق عام 2018. بدا الأمر وكأن إيران، كفاوستوس، وقّعت عقدًا على أمل الخلاص، لتجد نفسها في قبضة خيبة مزدوجة: لا القوة تحققت، ولا المبادئ بقيت على حالها.
وكما أن فاوستوس كان دائمًا في صراع بين التوبة والاستمرار في الطريق الشيطاني، تبدو إيران اليوم واقفة على مفترق طرق. هل تواصل انتهاج سياسة الانفتاح المدروس؟ أم تتراجع نحو خطاب الثورة الأصلي؟
في النهاية، لا يهم من هو “الشيطان” ومن هو “فاوستوس” بقدر ما تهم الأسئلة التي تطرحها هذه الرمزية عن الثمن، الهوية، والقدرة على النجاة دون تفريط في روح الثورة ومبادئها التي صدعوا بها رؤوسنا لأربعة عقود ونيف.
عمار عزت

اترك رد