“امرأة… لا تصلح لشيء “…ماجدة الفلاحي

منبر العراق الحر :
قالوا عني:
امرأةٌ لا تصلح لشيء
كأنني جهازٌ معطوب
يأبى العملَ وفقَ كتيب التعليمات
امرأةٌ فاشلة
لا تُجيد طهوَ الصمتِ على نارِ الانتظار
ولا برمجةَ الجسدِ على حرارةِ الفرن
ولا توزيعَ التوابلِ بحدسِ الطاهيات
أو رتقَ الثقوبِ في جوربِ رجلٍ
يتآكله التكرار.
وقالوا امرأة لا تتقن ما تفعله النساء
فلا تمسحُ الغبارَ عن سقفِ الرجولة
ولا تلمّعُ الصحونَ من خيباتِ النهار
ولا تصفُّ الملاعقَ على مائدةِ الخنوع
جدتي كذلك قالت
بصوتٍ يشبه صريرَ بابٍ قديم:
لن تحتفظي برجلٍ
إن لم تبتلعي لسانك
قبل التفكير في الحديث
وتمسحي من قلبكِ شهوة الحياة
وتضيئي وتنطفئي كشمعة
وتعلّقي عقلَكِ على حبلِ الغسيل.
لكنّي…
كنتُ طفلةً لا تنامُ تحتَ لحافِ الطاعة
بل تزرعُ الأسئلةَ الحادة
كالسكاكين تحتَ الوسائد
وتخيطُ فساتينَها بخيوطِ العصيان
تُشعلُ الشموعَ في كهوفِ العادات
وتركضُ بين الأطلالِ
بحثًا عن ظلٍّ يشبهها.
ولم أتعلّم
أن أكونَ أنثى تُقاسُ بالمطبخ
وتُثمَّنُ بلمعانِ الصحون.
كبرتُ خارجَ الحظيرة
خارجَ أسوارِ الخنوع
أنبذُ وصايا جدتي العشر
وأرفضُ أن أُختزلَ
في مئزرٍ ونهدٍ وسرير.
لا أجيدُ أن أكونَ زينة
ولا ظلًّا
ولا صدىً لصوتٍ لا يسمعني.
لي اسمٌ لا يُكتبُ بحبرِ رجل
وصوتٌ لا يُفلترُ بأبوابٍ مغلقة.
أرتقُ جسدي بأحلامٍ
لا تناسبُ المقاساتِ الجاهزة
أُفككُ اللغةَ
وأعيدُ صياغةَ أنوثتي
كقصيدةٍ حرّة
خارجَ الممنوعِ والمشروع.
أنا لا أجيدُ
وظيفةَ “أنثى صالحة للاستعمالِ المنزلي”،
لا أعرفُ كيف أُخفي اللهبَ تحت الطناجر
ولا كيف…
لا أُجيدُ أن أكونَ زينةً على رفِّ الفيترينة
ولا تمثالَ صبرٍ في متحفِ الذكورة،
ولا مرآةً
يرى فيها القطُّ نفسه أسدًا
أنا لا أنحني
إلّا كي ألتقطَ قلبي قبلَ أن يسقط.
فيا جدتي
لماذا لم تعلّمينـي كيف أصرخ؟
وكيف أخلعُ جلدي حين يضيق؟
وكيف أكونُ رئةً ثالثة
حين تضيقُ الحياة؟
وكيف أكسرُ القيد
ولا أُتّهم بالجنون؟
لماذا لم تخبرينـي
أن الأنثى ليست ظلًّا
بل شمسًا
تُعمي من يحدق في عينها بلا شغف؟
جدتي
أنا لستُ الأنثى
التي يصبها فرسان القبيلة في قوالبِ العار
لستُ طبقًا دافئًا على مائدةِ الزوار
ولا شجرةً
تُقطفُ كلّما جاع الضيوف لفاكهة الحب
أنا الريحُ إن غضبت
يا جدتي
والشمسُ التي تأبى الغروب
أنا أنثى
تكتبُ نفسها بحبرِ النار
وترسمُ ملامحها
من فتنةِ الرماد.
أنا نارٌ تمشي
ونورٌ لا ينطفئ
أنثى لا تُروّض
ولا يقص جناحها
أنثى أنا ولست لوحة
تُعلّقُ على الجدار
أنثى تسكنها القصائد
أنثى توقظُ اللغة
وتُشعلُ الحرائق
في غابات الروح
بجمرة الكلام.
الماجدة
هل

اترك رد