*الخنجر المسموم في خاصرة الدولة*… ناجي الغزي

منبر العراق الحر :….. باحث سياسي وإقتصادي…..
في زمن تتلاشى فيه الخطوط الفاصلة بين السياسة والمؤامرة، ويصبح المال الملوث وسيلة لاختراق الدولة من داخلها، يبرز اسم خميس فرحان الخنجر كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل والتساؤلات في العراق الجديد. رجل يقدّم نفسه كزعيم سياسي، بينما تتراكم حوله الشبهات الخطيرة، من التخابر مع دول أجنبية إلى دعم الإرهاب وتمويل المشاريع التخريبية، ومن الطعن بالمؤسسات الأمنية إلى بث خطاب طائفي يهدد السلم الأهلي.
إنه ليس مجرد خصم سياسي، بل ملف أمني وقضائي مفتوح، يتطلب من الدولة العراقية أن تنظر إليه كـ”قضية أمن قومي” لا كشخصية عابرة. ففي الوقت الذي لا تزال فيه دماء العراقيين شاهدة على جرائم الإرهاب، تُوجَّه إلى الخنجر اتهامات صريحة – من نواب ووزراء سابقين وشخصيات عشائرية – بالتورط في تمويل الجماعات المسلحة، والتنسيق مع أجندات إقليمية هدفها تقويض العملية السياسية من الداخل.
فهل تتحرك الدولة؟ وهل تظل الامتيازات والمنصات والدعم مفتوحة أمام من يُشتبه بأنه يعمل ضد سيادتها وأمنها؟ أم آن أوان فتح الملفات ومواجهة الحقائق مهما كانت محرجة أو خطيرة؟
*الخنجر من المال إلى التأثير السياسي*
خميس الخنجر، رجل أعمال تحول إلى العمل السياسي بعد عام 2003، ويُعد من أبرز الوجوه التي تبنت خطاباً تحريضياً ناقداً – وأحياناً متجاوزاً لمجمل العملية السياسية في العراق. وفق شهادات موثقة لعدد من النواب، فإن الخنجر ليس زعيماً عشائرياً كما يروّج البعض، بل يستخدم أدوات المال والإعلام للتحكم في المزاج السياسي ضمن بعض الأوساط السنية، عبر تبني خطاب يعكس رؤى إقليمية متقاطعة مع المشروع الوطني العراقي.
*اتهامات علنية بالتخابر والتآمر*
في تصريحات واضحة وصريحة للنائب زياد الجنابي خلال لقاء متلفز على قناة “سامراء”، وُجهت إلى خميس الخنجر اتهامات مباشرة بـ”التآمر والتخابر مع الخارج”، في إشارة إلى علاقاته بدولة قطر، وهو ما يدخل – قانونياً – ضمن الجرائم المنصوص عليها في المادة 164 من قانون العقوبات العراقي، والتي تُجرّم الاتصال بجهات أجنبية بقصد الإضرار بأمن الدولة.
وفي السياق ذاته، أكد النائب شعلان الكريم أن “المشروع العربي” الذي يقوده الخنجر ممول قطرياً، وأن أدواره منذ 2003 وحتى اليوم كانت “سلبية وتخريبية”، على حد تعبيره. وأنه لم يكن يوماً مشروعاً وطنياً بل مشروع تخريبي هدفه تقويض العملية السياسية من الداخل.
*الإعلام كأداة للتأثير والتأجيج*
ما يزيد من خطورة الخنجر هو امتلاكه لمنصة إعلامية مؤثرة، متمثلة في قناة UTV، التي تمثل واجهة ناعمة لأفكاره، ويتولى إدارتها نجله “سرمد الخنجر”، وتعمل بادوات شيعية مثيرة للجدل. هذه القناة، بحسب مراقبين، تحولت إلى منبر لنشر خطابات الكراهية التحريض الطائفي والطعن بالعملية السياسية والدولة العراقية، وصولاً إلى اتهام الحشد الشعبي – الذي كان له الدور الأبرز في صد تنظيم داعش – بأنه ميليشيا خارجة عن القانون.
وفي مقابلة لخميس الخنجر مع الإعلامي أحمد ملا طلال على قناة ” UTV ” المملوكة له ولنجله “سرمد الخنجر”، لم يتردد خميس الخنجر في استخدام توصيفات ذات بعد طائفي ومناطقي، والأخطر من ذلك، أعترافات الخنجر التي جاءت في ذات المقابلة – أقر صراحة بأنه عمل، على مدى خمسة عشر عاماً، ضد الدولة العراقية ونظامها السياسي وضد الطبقة السياسية الحاكمة، وهو اعتراف علني بالتحريض والعمل المنهجي لتقويض مؤسسات الدولة من الداخل، ما يُعدّ من الناحية القانونية جريمة تمس أمن الدولة الداخلي، وتقع تحت طائلة مواد قانون العقوبات العراقي المتعلقة بالتآمر والتحريض ضد النظام الدستوري.
وهو خطاب يتقاطع مع روح الدستور العراقي القائم على المواطنة والمساواة، ويندرج ضمن فئة التحريض العلني على الكراهية التي يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي، المادة 372.
*حرب ناعمة على النظام*
لم يتوقف نشاط خميس الخنجر عند الدعم المالي للمحاور السياسية المشبوهة أو بناء تحالفات تابعة لأجندات خارجية، بل امتد إلى تبني مشروع “الهدم الناعم” عبر تمويل برامج إعلامية ساخرة ومؤثرة، كان ظاهرها النقد، لكن باطنها التحريض والتسقيط وتفكيك ثقة الشارع بالمؤسسات والدولة.
فقد أشارت مصادر برلمانية وإعلامية إلى تمويل مباشر من قبل الخنجر لبرامج شهيرة مثل “البشير شو” و”ولاية بطيخ” و”الخوة النظيفة” و”أحمد وحيد”، “والتقنية من اجل السلام” ، حيث تم تسخير هذه المنصات لنشر رسائل مشحونة ضد المنظومة السياسية، وتحديداً ضد القوى الأمنية والحشد الشعبي، في توقيتات حساسة كانت البلاد فيها تواجه الإرهاب والانقسامات الطائفية. وهذه البرامج اتُّهمت من أطراف سياسية بأنها تستهدف تشويه بعض الرموز الوطنية الشيعية تحديداً والتلاعب بالوعي الجمعي تحت غطاء الحرية الاعلامية.
هذا النمط من الدعم الإعلامي لا يقل خطورة عن الدعم اللوجستي للجماعات المسلحة؛ إذ يفتك بثقة المواطن بمؤسسات بلاده ويزرع السخرية السوداء بدل الوعي، ويخدم خطاباً سياسياً خفياً تقوده دول إقليمية لها مصلحة مباشرة في إضعاف الدولة العراقية.
*استثمارات وامتيازات تثير الريبة*
ومن النقاط القانونية المثيرة للجدل، ما أُثير حول حصول الخنجر على استثمارات وعقود حكومية وأراضٍ في مواقع سيادية داخل المنطقة الخضراء دون منافسة أو شفافية. ووفق شهادة الوزير والنائب السابق وائل عبد اللطيف، فإن نجل الخنجر “سرمد” حصل على عقد تنظيف مستشفيات بقيمة 6 مليارات دينار سنويا، وهناك استثمارات على شكل خدمات فندقية في المستشفى التركي في بابل بقيمة 6 مليار دينار شهرياً. إلى جانب حصوله على عقارات تعادل قيمتها مليارات الدنانير في المنظقة الخضراء. إن منح هذه الامتيازات دون مناقصات عامة قد يشكل خرقاً واضحاً لقانون العقود الحكومية رقم 87 لسنة 2004 المعدل، ويثير شبهة تضارب المصالح واستغلال النفوذ السياسي. وهذه العقود وفق توصيف الكثيرين “اختراقاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً” خطيراً يهدد توازن الدولة. ومن غير المعقول أن يُمنح شخص بهذه الخلفية والمواقف المشبوهة مساحة نفوذ واسعة في قلب بغداد، تحديداً في المنطقة الخضراء، دون قراءة عميقة لخطورته.
*ارتباطات مشبوهة وطعن بالرموز الوطنية والحشد الشعبي*
ما لا يقل خطورة هو ما يُتداول عن علاقة الخنجر بالإرهابي أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام والذي اصبح رئيساً لسوريا،. إذ يُقال إنه التقى به وبارك مشروعه وقدم له دعماً مالياً، مما يضعه في خانة المشتبه بهم في تقديم دعم سياسي أو لوجستي لجماعات مصنفة إرهابية. وهذا إن صح، فسيكون مؤشراً صريحاً على الارتباط بين مشروعه السياسي وخط الإرهاب العابر للحدود.
وإن ثبت هذا اللقاء، فإنه يدخل ضمن سياقات قانونية تتطلب فتح تحقيق بموجب قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005، نظراً لما يشكله من تهديد مباشر للأمن القومي.
من أخطر ما نُسب إلى الخنجر من مواقف، هجومه المتكرر على الحشد الشعبي، واعتباره “مليشيا خارجة عن القانون”، متجاهلاً أن هذه القوات هي جزء من المؤسسة الأمنية بموجب قانون هيئة الحشد الشعبي المرقم (40 لسنة 2016). وتندرج هذه التصريحات، بحسب مراقبين، ضمن خطاب التحريض وتقويض المؤسسات، وهو ما قد يعرّض صاحبه للمساءلة القضائية وفقاً لأحكام المواد المتعلقة بالتحريض على الكراهية والطعن بالمؤسسات الدستورية.
*مشروع سياسي خارج الإجماع الوطني*
والمثير للاهتمام هو أن شخصيات سنية وازنة – مثل الشيخ علي حاتم السليمان – طعنت في شرعية وتمثيل الخنجر، متهمة إياه بـ”ادعاء المشيخة والسعي وراء المال والجاه”، ومعتبرة أن دخوله إلى الساحة السياسية جاء ضمن مشروع تخريبي من داخل العملية السياسية نفسها. كما يصفه قادة ميدانيون في الحشد بـ”يزيد العصر”، في إشارة إلى ما يُعتبر نهجاً طائفياً وتحريضياً واضحاً في خطابه ومواقفه.
كما أن التسريبات الصوتية المنسوبة إلى الخنجر، والتي تم تداولها على نطاق واسع، تكشف عن لهجة طائفية صارخة، تتضمن طعناً واضحاً بالنخب السياسية الشيعية، ووصفهم بألفاظ تنطوي على تمييز مناطقي وثقافي، وهو ما يخالف نص المادة (7) من الدستور العراقي، التي تحظر أي خطاب طائفي أو عنصري.
*خلاصة الخنجر: ضرورة التحرك القانوني والوطني*
في ظل هذه المعطيات، لم يعد من المقبول أن تستمر الجهات الرسمية في غضّ الطرف عن نشاط سياسي وإعلامي ومالي يهدد أسس النظام الديمقراطي. إن فتح تحقيق قضائي شفاف بشأن هذه الاتهامات والتسريبات والامتيازات بات واجباً وطنياً لحماية النظام السياسي من الاختراق والتفكك.
إن مشروع خميس الخنجر – وفق ما يتوفر من شهادات وتحليلات – ليس سوى واجهة لإعادة تشكيل العملية السياسية وفق مقاسات إقليمية، تتعارض مع السيادة والمصلحة الوطنية، الأمر الذي يستدعي موقفاً واضحاً من القضاء، ومن الكتل السياسية كافة، دون مواربة أو تسويف.

اترك رد