قصة قصيرة.. إنعاش…غفران كوسا

منبر العراق الحر :

جاء من بعيد يسرع الخطا وهي تراقبه بقلبها، لم تكن لتخطئه من بين جماهير محتشدة. هذا هو أطول من شباب المدينة كلهم ، إلا أن رأسه الأسود أصطبغ بالبياض.
وجبينه تزين بخطوط داكنة، وابتسامته غدت حزينة، رفعت وردتها الحمراء ، فزاد من خطواته،وعلى بعد خطوتين قال:
– مؤكد لن تكون دليلي إليك وردة صماء، فأنت حقل متفتح في الذاكرة .
كمراهقة ركض قلبها واحمرت وجنتيها وقالت:
– لم أرفعها لتعرفني فأنا في كل يوم منذ غادرتني وأنا أجيء لموعدنا بوردتي الحمراء كما أول مرة تقابلنا بعد اتفاق جرى بينا عبر هاتفك الذكي قبل عشر سنوات.
خرج الطفل الكبير من داخله وبدأ يضحك بخجل، كم كنت عديم اللباقة حين رفضت السفر عبر رحلتك الممتعة ورحلت في قطار أتعبتني محطاته الكثيرة.
– ببحر عينيها أدخلته ثم قطرت عسلا بقولها : إذا كنت سرابا سألحق بك إلى آخر العالم
،- لكنك في الماضي ذبت كحبة ملح في محيط، ماذا عساي أفعل غير الانتظار ؟
– ندمت كثيرا، لكنني مدين للموت بعودتك لي،.
-هو القدر أب لنا جميعا يغضب بعين ويبتسم بالأخرى، يحرمنا، يعاقبنا، ويبكي دموعا لحزننا،

تبادلا النظرات وشهقات الاستغراب
– أيكون القدر بهذا اللطف ليهدينا لذة اللقاء بعد فراق بدا أبديا
همست في أذنه وهي تصافحه بحرارة جد القدر لطيف.
تعانقت الأكف لترسم خطوط شيخوختها، خريطة ماض رحل، وحدودا مصطنعة لقلبين.
سحبت كفها عنوة قبل أن يتمادى حنينه.
– طال بنا العمر ولم تكبري.
– سحقتني الأقدار، ثم لفظتني وحيدة،
فلا تنغر بكذب المساحيق
– جميلة أنت بدونها.
كتم سعادته حين أسرت بوحدتها، وطاب لهما السمر.
طال التناجي واستمر لساعة بل ربما أكثر.
قطع خلوتهما ضجيج الرقص وذكريات الصبا.
– هل تسعديني بهذه الرقصة
– أخاف أن تخذلك سنوات عمري الخمسين
– لا بأس بذلك سأجاريك بسنيني الستين .
تبادلا الضحكات، وضج المكان برشاقة عاشقين حكيمين.

– أحس أن في صدري قلب شاب عشريني يحبك، عاد ليحيا من جديد.
– أخاف عليك من شقاوة النبض.
– لن يكون شقيا وأنت قائدة الأوركسترا
لم تطل ضحكتها بعد أن أتعبها الرقص.

كان يتمايل..، ويلتف..، كفرحة طفل ساذج
يسحبها تارة من صدره، وتارة يبتعد..،
وازن خطواته المترنحة مرات عدة،
قبل أن يخذله التعب هو الآخر.
قلبه المتمرد أعطاه دفعة جرأة والكثير من الشجاعة
– هل تقبليني حبيبا أرملا وعجوزا عاد يخطب ودك؟.
لم يكن بحاجة ليسمع منها الموافقة، بعد أن بعثت ردها بابتسامة غلفها الخجل.
أعادته نشوة الرد للرقص، وحيدا هذه المرة.
تبعثرت خطواته مابين قرب وبعد.
ضج المرقص بسعادته المنسية،
أحمر خداه، وتعرق جبينه، نبضات قلبه باتت تسمعها بوضوح تام، بعد أن ضمها أخيرا لصدره.
شلت خطواته فجأة.
حاولت انتشاله لكنه سقط كعصفور سنونو أتعبته أسراب الهجرة .
تلعثمت كلماته، إلا من كلمة كتمها الانتظار
– أحبك بجنون.
ارتمى على صدرها بهدوء، وعم المكان صمت رهيب.
غفران سليمان كوسا

اترك رد