منبر العراق الحر :
عندما نحاول ان نتحدث عن الفساد فنحن لا نتحدث عن نتائج هذا الفساد من هدر للثروة والمال والانفلات الاداري بل نتحدث عن الفضاء الاجتماعي والمناخ الذي ولدت فيه فضاءات هذا الفساد. الكل يتحدث عن ان النظام السياسي فاسد لكن من يحمي هذا الفساد ‘ ومن يشجعه ‘ ومن يدعمه حتى تمأسس وتحول الى كيانات وقوى تسيطر على مدن كاملة. تنتشر هذه الظواهر في مجتمعات الصور والاستعراضات والدعاية ‘ مجتمع لم يعد يقوى على التفكير وما يهمه هو ما يعرض من على شاشات التلفاز والسوشيال ميديا وليس ما هو مخفي . يهمه ان يكون سعيدا في مشاهدة مباراة او متابعة خلطة تنشيط ذكورية وليس فكرية. قطعا لا يمكن ان يصبح الانسان فاسدا بشكل مباشر ما لم تكن هناك استعدادات في المحيط الاجتماعي والنفسي والفكري والاخلاقي والتربوي وتلك هي بذور الفساد الاولى التي سرعان ما تنبت عندما تجد بيئتها المناسبة وارضها الصالحة للنمو.
لم يحدث ان تطور شي لدينا على مستوى العلوم والصناعات والمنطق والوعي الانساني لكن الذي تطور هو الانحراف والشر والشطارة والاحتيال والخداع والكذب والتذاكي والنهب والسرقة تحت شعار ( انهب ثم ساوم ).
ثمة تناقضات عجيبة تشاهد ان الجمهور ينصت ويستمع الى الفاسدين وهم يتحدثون عن سرقاتهم وكيف نهبوا البلاد والعباد وحولوا هذه البلاد الغنية الى بلاد فقيرة حتى ( تمرمطت ) كرامة الانسان ومستقبله ومستقبل اطفاله. في حين لا احد يتحدث بشجاعة عن الفساد الاقتصادي والاخلاقي والديني والمالي والثقافي
حيث يحاول الكل ان يضع رأسه في الرمل من دون مواجهة شجاعة.
لم يعد الفساد قضية اسماء واشخاص بل جهات ومؤسسات وفي حال تعرض نظام الفساد للخطر الحقيقي فأنه سيقلب المركب على الجميع ( ويصبح الدم للرجاب )
ستخرج كل تلك القوى من اجل الدفاع عن حياتها المرفهة ‘ وتتوحد بما في ذلك المتخاصمين منهم ويصبحوا قوة واحدة. المسالة ليست سياسية ابدا انها مسألة مصير ومستقبل وحياة تلك القوى. شاهد الجمهور في خليجي 25 كيف ظهر احد حيتان الفساد في البصرة وهو يتفاخر بنحر العشرات من البعران والخرفان ترحيبا بالاخوة في الخليج مع حملة دعائية كبيرة في مناخ اجتماعي استعراضي يتقبل هكذا انواع من التطبيل والتشجيع وهذا الامر يحدث يوميا وفي مناسبات مختلفة . لا يمكن ان يكون هناك فسادا من دون مناخ اجتماعي ساند . ان محاربة الفساد تعتبر من اهم الحروب التي يواجهها اي مجتمع خاصة اذا كان النظام المجتمعي والسياسي قائم على اساس المجاملات والترضيات والتفاهمات والمساومات والصفقات. والناس في ضياع بين من هو غائب عن الوعي ( بحيث لم تعد هناك ضوابط اجتماعية او دينية او اخلاقية او حتى عشائرية تضبط ايقاعهم ) وبين من هو مشتت في ولاآته وانتماآته. محللون وكتاب صدعوا رؤوسنا عن مقترحات لحل مشكلة الفساد وحول الطريقة التي يجب فيها ان ينتهي حيتان الفساد ثم نتحول بعدها الى بلد خال من اي فساد. المشكلة ليست في الافكار وهي كثيرة ولكن في التطبيق . من هو سبع الليل الشجاع الذي يستطيع ان يقف في مواجهة حيتان الفساد الكبيرة القادرة على التهام كل شي بما في ذلك الحجر والبشر ؟
ان الذي استجد اخيرا من فساد في مجتمعنا هو بسبب تداخل مصالح الحكم مع مصالح التجارة والسوق. يقول الرسول ( ص ) من اخون الخيانة تجارة الوالي في رعيته. انه يريد ان يحكم وبنفس الوقت يزاحم الناس في ارزاقهم. ولا غرابة من ان نرى من كان يقفز يوميا امام الشاشات متحدثا عن الفساد ومحاربته وانه وضع حدا للحياة الفاسدة من خلال عصاميته ونزاهته رغم المغريات التي كانت تقدم به . واذا به هو احد حيتان الفساد . والقائمة طويلة ولن تغلق بعد .
