منبر العراق الحر :
الأنظمة السياسية مثل الأشجار مَنْ تملك جذورا عميقة تقاوم الإعصار وتديم بقائها ، أما سطحية الجذور فأنها تتساقط قبل بلوغ العاصفة ذروتها ، هكذا أستطيع تشبيه الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط ، ومنها الأنظمة التي تعاقبت على السلطة في العراق خلال قرن من الزمن حدث خلاله احتلالين (البريطاني والامريكي )، إضافة لاحتلالات أخرى عقائدية وأثينية .
يمتاز العراق بكونه الدولة الوحيدة الكبيرة في الشرق الأوسط تعرضت لاحتلالين كبيرين خلال تسعين سنة البريطاني 1914, الامريكي 2003 ، مايعني تفرد خصائصه الجيوسياسية والاقتصادية وتعرضها لمتغيرات في طبيعة وخصائص النظام مايجعله عاجزا عن تأسيس نظام الدولة، بل نظام السلطة الحاكمة القابلة للسقوط والتبدل دون مقاومة لأنها سلطات حاكمة لاتمتلك جذورا عميقة، ولهذا فهي سريعة التغيير والسقوط ، ومهما طال عمر السلطة فأن سقوطها يكون أسرع لأنها تستنفد امكانية بقائها في ظل غياب تجذرها الوطني وتمثلها لمصالح الأغلبية من المواطنين، ولهذا لن تجد من يدافع عنها بواقعية إنتمائية وطنية .
النظام الملكي العراقي لعله أطول الأنظمة في حسابات الراهن الزمني (37) سنة ، ثم العهد الجمهوري القاسمي (5) سنوات وكذلك النظام العارفي (5) سنوات ، النظام البعثي القومي الصدامي (35) سنة ، والآن يبلغ عمر النظام الحالي (20) سنة وهو الاخر يبلغ من الهشاشة الداخلية أكثر من النظام السابق ، رغم زخم المفاهيم الجديدة التي جاءبها الاحتلال الامريكي عن نظام ديمقراطي وتداول سلمي للسلطة وهما ستائر لاتعطي صدقية لجوهر مايحدث في النظام من تموضع للفساد وتغييب قسري لثقافة المواطنة وتكريس ثقافة المناطقية والمحاصصة الطائفية وتعدد السلطات ومراكز القرار دون ضوابط أو حتى انتماءات لمقتضيات الديمقراطية السياسية ، مايجعل سلطات هذا النظام تنطوي على احداث تبلغ درجة من السخرية والانحطاط غير مسبوقة في تاريخ التجارب السياسية حين تتصادم فيما بينها، وخصوصا السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائيةو والأخيرة عادة ماتتعرض للضغط والابتزاز والتهديد .
أن غياب التشريعات والفعاليات السياسية والإجتماعية التي تكرس منهجيات النظام الديمقراطي، تجعل النظام السائد يعيش لحظة السلطة المطلقة للاحزاب والشخصيات النافذة التي تعدم وجود المؤسسات والقوانين الراسخة وماتمثله من حقوق للشعب ومصالح الوطن العليا، وهنا تحكم هذه السلطات على نفسها بسطحية البقاء وعدم القدرة على مد جذورها في تربة الوطن اجتماعيا ونفسيا ووجوديا ، بل تتوهم بقائها من خلال الاحتماء بالسلاح والمال والاتباع الذين تجذبهم مصالح العيش الآنية واغراءات السلطة .
تشريح بنية النظام السياسي الحالي وتراكيبه المعلنة والخفية تؤكد حقيقة اللانظام جراء تفكك الأواصر بين مراكز السلطة وتعدد عناوينها من جهة، وعلاقتها مع قطاعات الجماهير من جهة أخرى، ولانغالي حين نقول أنها في أغلب الأحيان والاحداث تكون علاقاتها مع الجماهير عدائية ودموية !
وإذ يصبح الفساد تعريفا لأغلبية العناوين الحاكمة ، فأن لحظة المراجعة السياسية ومواجهة حقائق الواقع ونقد الذات أصبحت ضرورة وجودية لبقاء النظام واصلاحه ، أو موته والتأسيس لنظام جديد بالاستفادة من أخطاء العشرين سنة الماضية .