*أُمي عن ظهر و عن قلب*! — *كتب:لخضر خلفاوي*

منبر العراق الحر :—-
و أنا ابن السابعة التقمني ( الوادي) على مرأى
ابن عمّي مُرافقي ، ثم لفظني الوادي
“كلمةً” من ربّه أوحيتها أنا بدوري
إلى خنساء العرب
و جميع الثكالى من الأمّهات !
لقد نجوتُ من الغرق بعظمي
و جلدي الذي أحرقته باديتي
في عصر الظُلمات
كناية في اليقطين !
رأيتُ في منامي قبل رحيلك
أنّي تعاركت مع يقطينة عملاقة
و لمّا جرحتها دعت علي:
“ثَكَلتكَ أُمّكَ!”
أنا ميّتُ يا “أمّ خالد” الذي فنى قبلي !!
خمسون عاما فراق عنك
ألا يكفي بأن يعلنوا شهادة وفاتي !
*
أذكر كنتُ اجتاز -مجاز الوادي-
باتجاه بساتين أهلي الكادحين
كانت بساتيننا لا ينقصها اليقطين
لهذا كنت أعافه ..
الرؤى ، معدتي و ذوقي متخاصمون كلهم معه
رُبّما هي عقدة أزلية
جاءتني من “يونس” المخذول
بكفر قومه و ظلماتهم .
كنت أقول في نفسي
و أنا بين الحقول و البساتين
و خرير السواقي
و الماء المتدفق بفضل محركات
الضخ إلى أنابيب السقي:
ليتهم بذروا دموع أُمّي ههُنا !
لكنتُ أفضل بكثير من بُعادها ..
لو فعلوا لأصّدّقَنَ على كل ملاجئ الأيتام
نسخة من نسخِ أُمّي كي يتوقف
شقاء المحرومين !
فدموعي لا تنفع للبذر
فقد تُحرقُ كل البساتين ثم أُتّهمُ
بخلق السّباخ في الأراضي الخَصُوب
و بتحريض السّبخات و اجتياحها
لكل أخضر و يابس
و بتعميم القحط
و تفاقم الحاجة و المجاعات ..
***
“قيل كلُّ الأمّهات ..
-حُضن دافئ آمن- محفوظ عن ظهر قلب..
و قيل الأمّ هي الوفاء و التضحية
في كل الاتجاهات..
و إذا تركتك أمّك أو غّيبها الموت؛
فحتما من دون حضورها
لن تنموَ كورد “الأوركيدي” أو كزنبقة الوادي ..
أو ك “نرجس”..
و كما في الأساطير تتزوجكَ الشمس
عندما يولّى عنك وجه أبيك!
-اللعنة على الفراق يا أُمّي ..
بعد نصف قرن من معاركي
ها اللعّينة المنافقة “مرآتي”
تُفشي لي سرّ وجهي الثّائر العبوس
-لكم ذُهلت و فزعت و خُذلت ..
و بكيتُ لماّ رأَيتُني مجرّد انتصابة “صبّار”
أخضر يبدو متغطرس
تسنده أشواكه المهترئة
كحيوان النيّصْ..
شاعرُكِ يا أُمّي استعار مضطرا
من قفار باديتنا عطر النرجس..
يا أُمّي ذات طفولة لكثرة بكائي و حزني
على ضفاف (ملَاق*)
بكاَنِي الوادي حتى جفّت فيه
كل المسالك و المسارات
فتدفّقتُ أنا فيه حتى ينقشع غيم الحزن
و يهدأ روع الأيتام
و كيْ لا تموت فيهم ذكرى الأمّهات !
***
تعبتُ يا أمّي!!
اشتقت إلى (حضن ظهرك) و أنتِ مُقبلة
و إلى (ظهر حضنك) و أنتِ مدبرة
لكنّي كنتُ أراكِ دائما مُقبلة ..
أنتِ يا أُمّي في قلبي ،
مُقبلة، و مُقبلة، و مُقبلة
حتى لو غيّبتكِ المسافات ..
***
ويح وادينا يا أُمّي ..
ويح الوادي الذي أهداني زنبقة بيضاء
لم انتبه أنه كان يلهيني عنكِ
كي لا التفت خلفي
و أرى بأُمي يا أُمّي وجه الخراب
و المحرقة؛
عندما تآمروا ضدنا
و افترقنا دون رجعة
بألف وجعة
فرّقونا يا أُمّي للأبد
فرّقونا ..فرّقونا
عن ظهر قلب !

(…)
*) مقطع من -الجزء الثاني- للملحمة الشعرية ( مش-بهلول في باديتي) سردية تعبيرية من طفولة :لخضر خلفاوي
-باريس الكبرى جنوبا
٤/٥/٢٣

**) وادي ملاق يعدّ من أهم الأودية التونسية / الجزائرية ، الجزء الأكبر و الأهم منه يتواجد في التراب التونسي و هو من أهم الأودية بعد ” وادي مجردة ” .. معروف بجفافه ( غير دائم السيلان) و بعدم استقرار منسوب مياهه ينتعش في فصل الشتاء و قد يفيض إذا كان فصلا ماطرا بشكل مكثف. ينبع وادي “ملاق ” منطلقا من المدن الشرقية الجزائرية الحدودية مع التراب التونسي كمدينة ( العوينات -، و مسكيانة ) و يتوغّل شاقا التراب التونسي حتى ينتهي صبّه في بحر الأبيض المتوسط .

اترك رد