أفكار: متشرّدون، ضائعون بلا سكن! —— *فكَّر كاتبا:لخضر خلفاوي*

منبر العراق الحر :
——
-عندما تكون في وضعية الشرود الجسدي و النفسي ، فأنت متشرّد ، تجوب الطرقات و الشوارع و الأحياء ، دون أن يكون لك عنوان قار فيه يخصك شخصيا .تبحث عن سكن مهما كانت مواصفاته ، كمأوى تحتمي به و ينجّيك من اغترابك مع نفسك و مع الوجود و مع النّاس .. سكَن يستر وحدتك و سقف يحميك للتخلّص من حالة العراء التي تهدد يومياتك و ربما تهددك باقي أيّام عمرك ..
-فليس منْ اللائق و لا من الحكمة إذا اقترح عليك أحدهم فرصة الإيواء بالمّجّان و يُسكنكَ إليه و معه ؛ و ما تلبث أن تبدأ العيش معه حتى تستيقظ فيك جملة من السّلوكات الجدلية من الانتقادات لصاحب السكن و انتقادات ل السكن ذاته .. تخوض منطلقا في انتقاد متواصل لتفاصيل السّكن الذي آواك فيه ، و أن تنتقد طلاء الجدران و ألوانه ، أو كأن تنتقدَ شكل و توزيع أثاثه و نوعيته و تذمّ اختياراته، أن تنتقد الستائر و أن تنتقد عاتبا ربما بحدة عليه موضع السّكن الذي اختاره قبل مجيئك و حطّت فيه رحالك .. و تنسى سريعا بأنك كنت وحيدا ، بلا عنوان محدّد ، بلا مأوى ، تجوب – شوارع الدّنيا – دون وجهة محددة ، دون سكن قار …و مع مرّ الأيّام دون أن تنتبه تجد نفسكَ
مُكلّفها بأداء دور ( المُعارض) أو بالأحرى دور ( الجُندي اللّئيم و المُحترف في آن ) و بأتم معاني اللفظة و الوصف متضادّا، عدوانيا ، و ربما متضايقا من الحياة بسبب خياراتك .. تلك الحياة التي توفّرت لكَ داخل هذا السّكن!. تنفرُ ربّما من هذا السّكن و تتشعّب الخلافات مع من اختارك و آواكَ و تقبلك تحت كنفه ، تلبسُ الخلافات عقلية ( التضاد و التناطح) ، تتفاقم عقلية ( الندّية) و العناد .. قد يوحي لك الله – إن كنت محظوظا !- فتنظر إلى نفسكَ في المرآة في لحظة منفلتة منك من لاوعيك الباطن (وحي ما !)، تجدَك شخصا مختلفا ، يرتدي بدلة ( حربية، عسكرية قتالية) مثبّت عليها أو مُزوّدة بجميع أنواع الأسلحة، البيضاء منها و النارية .. تبدو لك نفسك كأنّك عُدتَ لتوّكَ من حرب أو معارك ضروس !. و ربّما لا تتذكّر كيف و متى ارتديت هذه البدلة الحربية و هي تعطيك زيّ شخص مُحارب في حالة استنفار قصوى و لا تدري أيضا كيف أقحمت نفسك في هكذا حرب ! أو لا تذكر كيف و متى وضعت خوذتها العسكرية على رأسك و انطلقت في جبهة قتالية حامية الوطيس و لا كيف أطلقت ما لا يحصى من الطلقات النّارية و لا عدد الطعنات التي وجهتها إلى غيرك في تلك المعارك و الحروب .. لا تفهم ، بل لا تستوعب ما الذي أوصلك إلى هذا الخراب و إلى هذا الدّمار !؟
-*كنتُ أُحدثكم عن ( العلاقة الشائكة بين الرّجل و المرأة) مذ فجر البشرية ..
*نسينا الهدف المقدّس و النبيل و البسيط في آن واحد ؛ لماذا خُلقنا و لأيّ شيء خُلقنا ! و نسينا الغاية الأولى و الأخيرة من سكن الرّجل للمرأة و سكن المرأة للرجل.. نسينا حتى من خلقنا و تطاولنا على وجوده و قبّحنا بازدراء لا نظير لوقاحته تقشعرّ له الأبدان آيات الرّب الواحد فكيف في خضمّ هذه ( الأبلسة المقيتة و الردّة عن الحق ) ألا ننسى (أنفسنا) المخلوقة من (أنفسنا): ( و منْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
-هذا الحال ؛ لأن أولياء الشيطان و إبليس متمسكون برأي و بدين هذا الأخير العاقّ و أوّل متطاول على الله حيث أفنوا أعمارهم في بث التشكيك في الآيات و محاربة كل يقين وجودي، و “الآيات” اصطلاحا و فقها تعني ( الحجج) أي أنها عبارة عن خلاصات حقيقية منزّلة أو مفعولة بفعل ( كن) ، مقدسة للحقيقة التي أتاحها الخالق للإنسان كي لا يشقى و لا يضلّ لكنّه ينفق عمره في الجدل العقيم و البحث العابث في شيء أو أشياء وجودية مفروغ منها حسمَ فيها الله في الكتب و الرسالات التي جاء بها الأنبياء و الرّسول . عبث متبادل متوأم بين الجنسين :(التّفاحة! آدم هو السبب! حوّاء هي السبب ! هم هكذا لا يتبدّلون !! و هنّ هكذا لن ينفع شيء معهن!!)…
-بسبب هذه العقلية العصيانية و هذا التمرّد عن سنّة الخالق في الكون صار معظم النّاس دون سكن و في العراء التّام دون أن يشعروا .. بعبارة أخرى ، يعاني الرجل و المرأة أزمة سكن فظيعة ، لكنها ليست أزمة حقيقية بل ( أزمة افتراضية عِيشَت بتفاصيلها و حذافيرها واقعا ) افترضها لهما مذ البداية إبليس و أهواء أنفسهم ، ألم يقاسم الله متوعّداً و أشهدَ خالقه أن يفعل بنا ( نحن ذرية آدم و حوّاء) ما يشاء و لنكوننّ من الشّاكرين له لأنه أضلّنا ، و فعلنا و أكثر !.

باريس الكبرى جنوبا
٩/٥/٢٣

اترك رد