كيف نفهم العلاقة الصحيحة بين المثقف والسياسي ؟ كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
كانت ولازالت العلاقة بين المثقف والسياسي علاقة ملتبسة بكل ما له صلة بالتحليل والتبرير والعمق والدور والتأسيس والجدل والكشف والتوقع والثأثير والموقف والاستنتاجات والحوارات والفعاليات والنشاطات والتناقضات ‘ وحول الكثير
من الاحداث او بكل ما له صلة من بعض القضايا الوطنية من قبيل الاحتلال والفساد والسيادة .ومن بعض المخاطر الاخرى التي تتهددنا على مستوى اجتماعي وامني وانساني. عادة ما يتسلح السياسي بالقوة والمنصب والشعارات والاضواء والصلاحيات والنفوذ والعلاقات.في حين ان المثقف يتسلح بالنص وبالكلمة‘والنقد وبدوره التنويري والمعرفي وقدرته على ان يكون عقلانيا في عالم يسوده‘
الجنون والتخبط والانفلات والتسرع.اسست الحداثة الغربية مقومات نهضتها العلمية والسياسية من خلال رؤى نقدية واضحة للمجتمع والسياسة وللنظريات السائدة على انقاض التجارب الفاشلة حيث كان لها موقف واضح منها.رغم ان هذا الامر لم يعف المثقف نفسه في النقد الذاتي لتجاربه ومستوى المسافة التي ياخذها حول الكثير من القضايا التي تواجه الشارع.بالطبع لا يمكن ان نسقط التجارب الغربية على واقعنا.
لأن هناك الكثير من الاحداث التي تحكمنا تختلف من حيث البناء الاجتماعي والاخلاقي والتربوي والنفسي والمعرفي عن ما يحصل في اماكن اخرى من العالم.مع ذلك ممكن الاستفادة من بعض التجارب التي تساهم في تغيير ديناميكية المجتمع.علينا ان نستقرأ ونستنبط من النموذج المحلي المتعدد عملية انشطار المجتمع الى طبقتين طبقة لا تملك شيئا وطبقة تملك كل شي.فكان وجود المثقف كطبقة ثالثة او وسطى بين طبقة السلطة البرجوازية ( الساسة ) ‘ وطبقة المجتمع( المحرومين والحفاة والفقراء واليتامى واصحاب بيوت الطين والصرائف والتجاوزات ) ‘ كعنوان بارز وحساس ومؤثر ايضا.
فسعى الساسة الى استرضاء قسم كبير من المثقفين من خلال الحصول على المناصب والامتيازات. في حين القسم الاخر الذي يطلق عليهم تسميات مختلفة ( مشاغبين او مشاكسين او مجانين )هؤلاء محافظون وتنويريون يؤمنون ان التغيير يجب ان يبدأ بالمجتمع وليس بالسياسة.وفق نظرية التحليل العلمي والعقلاني. لدينا اما ان يكون المثقف جزءا من المؤسسة السياسية وتابعا لها ومنفذا لأجندتها دون ان يعبأ بهموم الشارع والناس والحياة اي ان يكون شخصية انتهازية برغماتية ‘ او ان يكون معارضا لها وناقدا.نجد ان هناك الكثير من المثقفين لم يجدو لهم مساحة من الحرية ومن العمل فكان طبيعيا ان ينقدوا المؤسسة الاجتماعية والسياسية من منطلق فهم الحياة والدولة وتقاليدهم الوطنية والانسانية. ويكون لهم منها موقف واضح وهو الخروج عن طاعتها.السياسي يستعمل مفاهيم من قبيل الاصلاح والبناء كنوع من التكتيك لأحتواء التغيير او منعه من اجل الاستمرار والسيطرة. في بيئتنا الاجتماعية والسياسية تنحسر القدرة على وجود مثقف نوعي ( المثقف الملتزم والمحايد ) ‘ اما ان يكون ( مطبلا او مهرجا ) وجزءا من اسنان الماكنة السياسية او مستقلا مدافعا عن كيان الامة.لكن شريطة اثبات ذلك واقناع الناس من خلال حكمته ورصانته ووعيه وثقافته وقيمه.لكن هل يوجد فعلا هذا المثقف النوعي؟
حقيقة الامر ان معظم ما نسمعه ونراه من مثقفين ( او يحسبون عليهم )هو غوغاء وردح وشتم واستعراض وبيع وشراء وتشهير.طبعا جدلية العلاقة تتفاوت بين الهيمنة السياسية والثقافة.حسب معايير المجتمع فكلما كان المجتمع محصنا بالمعرفة والفنون والادب والشعر تضعف سطوة السياسة.وكلما كان المجتمع تنتشر فيه السطحية والجهل وضيق الافق والتفكير المحدود والغطرسة والتصلب العقلي يصبح نفوذ السطوة السياسية قويا وفاعلا.لذلك تجد ان معظم الحقب السياسية التي مرت على العراق لا يوجد فيها للمثقف الحقيقي دور فاعل ومؤثر بسبب اقصائه.

اترك رد