منبر العراق الحر :
لا تزال الأجواء متوترة داخل مخيم مخمور للاجئين في شمال العراق وفي محيطه، بين القوات الأمنية والعسكرية العراقية، الساعية إلى “تسوير المخيم” من مختلف جهاته والتحكم به أمنياً وإدارياً، وساكنيه الرافضين لذلك، والمطالبين بأن يكون الإشراف لمؤسسات الأمم المتحدة فحسب، متهمين السلطات العراقية بتنفيذ اتفاقية أمنية وسياسية مع تركيا، التي تتهم حزب العمال الكردستاني بالسيطرة على المخيم، واستخدامه لمصلحة التحركات المناهضة لتركيا.
الحوادث بدأت بعد زيارة وفد أمني – سياسي عراقي للمخيم وتقديمه مقترحات عدة إلى مسؤوليه، ليكون تحت سيطرة القوات العراقية، تبدأ بتسييج المخيم وحراسته من قوات الأمن العراقية، ومن ثم وضع حواجز في الطريق إلى المخيم وأمامه، وإدخال الشرطة المحلية العراقية إلى المخيم وإداراته، وتحديد بوابة واحدة تتحكم بها السلطات العراقية.
رفض مسؤولو المخيم تلك المقترحات، وحينما حاولت قوات الأمن العراقية تنفيذ تلك الخطوات التي تقول إنها بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء محمد شياع السوادني، حدث صِدام بينها وبين سكان المخيم، الذين رشقوها بالحجارة، ما دفع القوات الأمنية للابتعاد قليلاً والتمركز في محيط المخيم.

تاريخ المخيّم
تأسس مخيم مخمور للاجئين في عام 1998، عقب تصاعد الصراع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، ما دفع آلافاً من ذوي المقاتلين والمدنيين الأكراد للنزوح من تركيا إلى العراق، فراراً من مواجهة العِقاب الذي كانت القوات الأمنية التركية تمارسه ضد المدنيين الأكراد المتعاونين مع حزب العمال الكردستاني.
يقع المخيم عند الحدود الإدارية بين محافظتي أربيل ونينوى، بالقرب من بلدة مخمور العراقية، ذات الأغلبية السكانية الكردية، لكن الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية. ويقيم فيه قرابة 20 ألف مدني، من أكراد تركيا، الحاصلين منذ عام 2011 على سمة لاجئ، بعد اعتراف رئيس الوزراء العراقي وقتئذ نوري المالكي بالمخيم وسكانه كمنطقة لجوء إنسانية، وتخويل إدارته لمؤسسات الأمم المتحدة.
بقي المخيم محل خلاف شديد بين العراق وتركيا، وكانت الأخيرة تتهم المشرفين المحليين عليه بتنفيذ أجندات أمنية وسياسية لمصلحة حزب العمال الكردستاني، وتحويله إلى نقطة اتصال بين مقاتلي الحزب في سوريا ومنطقة سنجار العراقية والمتمركزين في المناطق الحدودية بين العراق وتركيا، ولأجل ذلك قصفته أكثر من مرة.
تعقيدات
الكاتبة والباحثة السياسية منيرة شيخي شرحت في حديث إلى “النهار العربي” الإشكالية السياسية والأمنية والإنسانية المركبة لمخيم مخمور بقولها: “في المحصلة، المخيم هو جزء من الإرث التراجيدي لتعذّر الحل السياسي للمسألة الكردية في تركيا، وإصرار السلطات التركية على الحلول الأمنية الصفرية ضد المقاتلين الأكراد وحتى بيئاتهم الأهلية والسياسية، وفي مختلف الدول، في وقت لا تحمل السلطات العراقية أي قدرات على إدارة المخيم إنسانياً بطريقة حيادية بمعزل عن الصراع السياسي والاقتصادي والأمني مع تركيا، وفي ظل صراعات سياسية وأمنية داخلية عراقية، تحمل فيها القوى السياسية العراقية أجندات مختلفة، ولأجل ذلك ليس من استراتيجية تجاه هذا الملف”.

خندق وأبراج مراقبة
آخر الأنباء أفادت بأن السلطات العسكرية العراقية بدأت حفر خندق حول المخيم، وبأنها سوف تبني أبراجاً للمراقبة بعد ذلك. لكن قائمقامية بلدة مخمور نفت أي صلة بالخندق، معتبرة أن الأمر يعود إلى الجيش العراقي الذي ينوي الإحاطة بالمخيم وضبط الحركة الداخلة إليه والخارجة منه تماماً، تلافياً لأي اتهامات تركية.
وكان نائب محافظ نينوى سيروان روجبياني قد أكد في تصريحات إعلامية نية السلطات الإدارية في المحافظة مراقبة المخيم بالكامل عبر كاميرات دقيقة، لإنهاء ما أسماه “الذرائع التي تستند إليها تركيا في قصف المنطقة”، مضيفاً: “تقررت السيطرة على التحركات غير الاعتيادية داخل المخيم وخارجه على مرحلتين. المرحلة الأولى تتجسد بنصب برج يحتوي مراصد (رادارات) وكاميرات مراقبة، والمرحلة الثانية يجري فيها تسوير محيط المخيم بالأسلاك الشائكة، بشكل تحدد فيه بوابة واحدة فقط إلى المخيم، وتلغى جميع المداخل الثانوية إليه”.
كانت العشرات من المنظمات الحقوقية والجهات السياسية في مدينة السليمانية في إقليم كردستان قد استنكرت تحركات الحكومة العراقية في مخيم مخمور للاجئين، معتبرة إياها “منافية لحقوق الإنسان”، ومطالبة بأن يكون الإشراف التام على المخيم للأمم المتحدة، وبأن تعمل الحكومة العراقية على حمايته من الهجمات الجوية التركية، باعتبار القاطنين فيه حاصلين على حق الحماية الإنسانية من الدولة العراقية.

كذلك كانت هناك تظاهرات منددة بالحادثة في مدن الرقة والطبقة والدرباسية شمال شرقي سوريا، رفعت شعارات “الموت للفاشيين” و”عاشت مقاومة مخمور”، مطالبة “الجمعيات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة بالوقوف ضد ما تفعله الحكومة العراقية في المخيم مخمور وفك الحصار عنه”.