أوبنهايمر .. قصة ابداع يصعب تجاوزها ….. فلاح المشعل .

منبر العراق الحر :
أوبنهايمر .. أحدث فيلم تضج به دور السينما في انحاء العالم ، قصة العالم الالماني الذي هرب من عوالم هتلر والنازية نحو امريكا بلد الحريات التي استقطبت المئات من كبار الكتاب والعلماء والمفكرين والفنانين ، أوبنهايمر عالم الفيزياء النووية يكلف بادارة مشروع صناعة القنبلة النووية (مشروع مانهاتن)، وينجح في ذلك منطلقا من فكرة أن المانيا النازية تسعى لصناعة هذا السلاح ، ولابد من حيازة امريكا عليه كقوة ردع قبل أن تبلغه مصانع هتلر .
تحولات نفسية مضادة تحتل أبو القنبلة الذرية العالم الفيزياوي أوبنهايمر ، بعد استخدام القنبلة الذرية ضد مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان وسقوط عدد هائل من الضحايا وكتبت نهاية الحرب، تلك الجريمة الكونية التي هزت ضمير أوبنهايمر واحدثت عنده انقلاب نفسي عميق ضد منتجات اسلحة الدمار الشامل بما فيها القنبلة الهيدروجينية التي أوقف انتاجها، فوضعته الادارة الامريكية موضع تهمة بالتآمر مرة وبالتجسس ثانية والشيوعية ثالثة ، ووفق المحاكم المكارثية وبدفع من تنافس العلماء لاحتلال المواقع الوظيفية العليا في امريكا، استمرت محاكماته واتهاماته حتى اعلان براءته ، هذا باختصار شديد لقصة الفيلم المعدة عن كتاب (الأله الامريكي ) برومثيوس الامريكي ، للكاتبين كاي بيرد ومارتن شيرون .
الفيلم جسد دراما نفسية يتشابك فيها العلم وتوجهاته لخدمة الانسانية مع قرار القوة بالموقف السياسي والحربي الذي تريده امريكا بفرض شروطها بعد نهاية الحرب التي حسمتها القنبلتين الذرية ، لكن القراءة المتاحة للمشاهد تؤكد أن الدول الامبريالية والنازية والشيوعية تقف بمستوى واحد في قضية جعل العلم والعلماء أجزاءً من الماكنة الحربية وقوة الدولة سياسيا وعسكريا دون الاكتراث لمشاعر العلماء ومبادئهم الشخصية .
الخط الفكري للفيلم يتضاءل ازاء الدهشة العالية والانبهار التي وضعنا فيها الممثل ” كليان مورفي ” الذي أدى دور أوبنهايمر ببراعة احترافية متقنة في تجسيد الشخصية وعوالمها الداخلية، مورفي الذي عرف بطلا بمسلسل”بيكي بلاندر ” الشهير ، كذلك بقية الممثلين ينقلون المشاهد الى لحظة اندماج تستمر نحو ثلاث ساعات هو زمن الفيلم الذي يعد أضخم رائعة بصرية – جمالية،- فكرية – صوتية -موسيقية للمخرج العالمي ” كريستوفر نولان “.
دراما ضوئية _صوتية في معالجات الانفجار الذري ، ثم صورة البشاعة الداخلية التي تعكسها اضاءات فيضية حادة تمسخ الشخصيات عن ملامحها الطبيعية ، أما الجهد في التصوير وضبط أبعاد المشهد كان الآخر ابداعا وجمالا في ربط ماهو خيالي بما هو واقعي خصوصا في اللقطات المتحولة بين ماهو فضائي وأرضي .
*موسيقى تبني الحدث_ الدور وتصنع اجوائه على نحو تصاعدي يقودك لمعرفة أن مايحدث استمرار للصدمة والمنطق العدمي الذي دفع العالم للحروب والفناء بصناعة آلهة الموت الجديد . الموسيقى التي وضعها الموسيقار السويدي لودفيغ غرانسون واختيار المؤثرات الصوتية تعني أن المخرج والمؤلف الموسيقى قد شيدا دراما نفسية عميقة وصادمة ومستفزة ايضا عبر هذا التحول من صوت الانفجارات المرعبة الى الصمت والاسترسال بهدوء التمثيل ، الموسيقى والمؤثرات الصوتية حبكة دلالية الى جوار التمثيل والتصوير والرؤية الاخراجية التي تجعل هذا الفيلم حكاية اداعية يصعب تجاوزها .

اترك رد